الثقافي
"وصف تونس": رحلتان في هجاء الاستعمار
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 10 سبتمبر 2019
انشغل السياسي والحقوقي المصري محمد فريد (1868 - 1919) في حياته بمسألتين أساسيتين؛ جلاء الاستعمار البريطاني وتطوير التعليم ومؤسسات الدولة في بلاده، ولأجل ذلك سافر مرات عديدة إلى أوروبا لتقديم أفكاره ومعاينة تجارب التحديث هناك، وكان يمرّ في رحلته عبر البحر بمدن مغاربية عديدة.
لم تأت زياراته تلك عفو الخاطر، حيث يشير في مذكراته إلى نشره ما ورد في رحلتيه إلى تونس والجزائر عامي 1901 و1902، حيث يوجّه انتقاداته لسياسات الاستعمار الفرنسي في البلدين، ويوضّح أن سبب ذهابه إلى مدينة الجزائر عام 1905 هو حضور مؤتمر للمستشرقين فيها.
أما مواطنه الداعية الأزهري علي أحمد الجرجاوي، غير معلوم تاريخ الولادة والذي رحل عام 1961، فكانت غايته اليابان للمشاركة في مؤتمر لحوار الأديان عام 1906، فأراد أن يسلك طريق رأس الرجاء الصالح مروراً بسواحل شمال أفريقيا وغربها، لكنه بعد وقوفه في تونس قرّر الرجوع إلى مصر والسفر عبر قناة السويس والبحر الأحمر وبحر العرب نحو الشرق الأقصى.
زيارتان، قام بالأولى، متقصداً، سياسي يحمل توجهاته الحداثوية، بينما أتت الثانية بالصدفة لشيخ همّه نشر الإسلام، سيحقّقهما الباحث التونسي أنس الشابي في كتاب صدر حديثاً عن "دار آفاق – برسبكتيف للنشر" بعنوان "وصف تونس في بداية القرن العشرين".الإصدار يندرج ضمن أدب الرحلات ويحيل عنوانه إلى الموسوعة الشهيرة "وصف مصر" التي ألفّها المستشرق الإنكليزي إدوارد وليم لين (1808 – 1876) وتضمّ عشرين مجلداً، لكنهما يشتركان في تنقيبهما بأدق التفاصيل وربطها بالسياق الاجتماعي والسياسي العام.
يقدّم فريد وجهة نظر متوازنة في ما يخصّ الحداثة والمدنية والتطور التي شاهدها في رحلته المغاربية عموماً، والتونسية خصوصاً، لكنه لم يغض الطرف عن ازدواجية الغرب، واستعلائيته على الشعوب الأخرى، ومنها شعوب الشرق التي لم يكف عسكره وإداراته المنتشرون في أصقاع العالم عن نهبها.
ويتناول، في شهادته حول عدد من المدن التي زارها في ضواحي العاصمة التونسية، وصفاً دقيقاً لسكانها ومعمارها، ومنها حلق الوادي وسيدي بوسعيد وحمام الأنف ورادس وقرطاج درمش والكرم وسراي باردو؛ حيث كان الباي يُجري مقابلاته الرسمية. كما وصف مدن بنزرت والقيروان وسوسة والجم وصفاقس وقابس. كما يتحدّث عمّا ما شاهده وعاينه من قصور ومحلات وطرقات، وعن لقائه بمحامين وشيوخ وصحافيين، والتركيبة السكانية لتونس، وطرق تسيير الدولة من قبل الاحتلال الفرنسي، ونظام التعليم والمدارس في تونس إضافة إلى النظام القضائي.
أما رحلة الجرجاوي، فتضمّنت شهادة تتعلّق بلقائه بالمقيم الفرنسي في تونس وما دار بينهما من حديث حول رغبته في لقاء الباي، كما وثّق بعض الجرائم التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي، وكذلك التنظيم العمراني وحركة التجارة، وشخصيات ثقافية مثل البشير صفر، ومحمد الجعايبي، وعبد الرحمان الصنادلي، وحسين بن عثمان، وأحمد القبايلي، ومحمد علي الزريبي.
رغم اختلاف مرجعيات الرحّالتيْن وفكرهما، إلا أنهما اتّفقا على تطوّر التعليم والصحافة آنذاك وسياسات الاحتلال المستبدّة والتمييزية وانتهاكاته، وقدّما مقارنة بين ما تفعله فرنسا في تونس وما تفعله بريطانيا في مصر.