الثقافي
"الصراع الفكري في الأدب السوري".. عاصفة نقدية
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 08 سبتمبر 2019
في عام 1943، صدر عن مطبعة في بوينس آيرس، كتاب "الصراع الفكري في الأدب السوري" لمؤسس "الحزب السوري القومي الاجتماعي"، أنطون سعادة (1904 - 1949)، وتناول من بين ما تناول تحت هذا العنوان (غير المألوف آنذاك) بالنقد والتمحيص أعمال أبرز أدباء المهجر في زمنه، من أمثال أمين الريحاني وشفيق معلوف وميخائيل نعيمة، وانعطف إلى أدباء آخرين في سورية ولبنان من أمثال سعيد عقل. ولم يتوقف عند من جمعهم تحت تسمية الأدباء السوريين، فالتفت إلى مصر وتناول أبرز أدبائها وعلى رأسهم محمد حسين هيكل وطه حسين وعباس محمود العقاد بوصفهم من أدباء العربية.
بادئ ذي بدء، نُشرت فصول هذا الكتاب على شكل مقالات في صحيفة "الزوبعة" التابعة لـ"الحزب السوري" في الأرجنتين، فكانت أشبه بزوبعة فعلاً، أو عاصفة نقدية لا نجد لها مثيلاً في كتابات تلك الأيام. إلا أن هذه العاصفة كما يبدو لم يتردّد لها صدى إلا في دوائر ضيّقة، وظلت سجينة صفحات هذا الكتاب، أي سجينة زمنها، كما يحدث أحياناً حين تختفي بذور شجرة في أعماق رمال الصحراء في انتظار قطرات مطر قد تأتي ولا تأتي، ومع ذلك لا يصيبها اليأس من أن يأتي يوم يتحوّل فيه سراب الصحراء إلى ماء دافق.
صحيح أن المتابع قد يجد بين سطور عدد محدود من أدباء النصف الأول من القرن العشرين شيئاً من الصدى، كأن يصادف مصطلح "الأدب الحيّ"، الذي هو لب كتاب أنطون سعادة، في سياق التعبير عن التوق لأدب نابض بالحياة غير أدب "الكتب"، لدى الشاعر العراقي محمود البريكان أو في أعمال النقد الأدبي للمصري سيّد قطب، أو كما سيترجم إلى "الأدب للمجتمع" لدى محمود أمين العالم، أو في بيانات الشاعر يوسف الخال صاحب مجلة "شعر"، إلا أنه لن يجد أطروحة الكتاب كاملة، أو متابعة لها إلا على نحو مستتر أو متردد.فما هي هذه الأطروحة التي طمرتها رمال ذلك الزمن وماثلنا بينها وبين بذرة هاجعة تنتظر أن تأتيها قطرات مطر أو لا تأتي؟ يضم الكتاب مجموعة مقاربات تجري تحت العناوين التالية: "تخبّط وفوضى"، و"تجديد الأدب وتجديد الحياة"، و"من الظلمة إلى النور"، و"طريق الفكر السوري"، و"طريق الأدب السوري".
يبدأ سعادة تحت العنوان الأول بمناقشة مراسلات أدبية بين ثلاثة أدباء سوريين، هم أمين الريحاني ويوسف نعمان معلوف وشفيق معلوف، ويرى أنها تمثل نقصاً فكرياً كبيراً في ما تداولته من آراء ونظريات في الشعر والشاعر. ويشعر بالحاجة إلى درس يتناول موضوع الأدب في أساسه "يجلو الغوامض الكثيرة التي أشوت فيها سهام الرماة، وضاعت مجهودات الكتاب".
ويقول: "كان موضوع الأدب يلوح أمام ناظري، ويطل من وراء المشاكل الإدارية والنفسية والسياسية التي تعرض أمامي، ولم أكن أجهل علاقة الأدب بهذه المشاكل، وإمكانيات تذليلها بإنشاء أدب حي... وكم كنتُ أتألم من تفاهة الأدب السائد في سورية، وأشعر أن فوضى الأدب وبلبلة الأدباء تحملان نصيباً غير قليل من مسؤولية التزعزع النفسي والاضطراب الفكري، والتفسخ الروحي المنتشر في أمتي... وكان هذا التألم يحفزني لانتهاز كل فرصة عارضة للفت نظر الأدباء الذين يحدث بيني وبينهم اتصال إلى فقر الأدب السوري، وشقاء حاله، وفداحة ضرره".