الثقافي
"في العلمنة": جدلية الدين والمجتمع والثقافة
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 07 سبتمبر 2019
شهد القرن الماضي محطّات سياسة بارزة أثّرت على مفهوم الدولة ككيان يوحّد الاختلافات العرقية والطائفية فيه، حيث بدأ يبرز التضاد أكثر بين الدين والعلمانية بوصفهما منظومتين مرتبطتين بجملة مفاهيم وممارسات مختلفة تتناقض في ما بينهما، وتأخذان حيّزاً في الدراسات والبحوث ضمن حقول مختلفة.
عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، صدر ضمن سلسلة "ترجمان" كتاب "في العلمنة: نحو نظرية عامّة منقّحة" لعالم الاجتماع البريطاني ديفيد مارتن (1929 - 2019)، ونقلته إلى العربية المترجمة السورية مريم عيسى.
يناقش الكتاب موضوع العلمنة بإدخال الجدال في منعطف تأويلي، آخذاً تعددية المسارات القومية والإقليمية على محمل الجدّ، ومُظهراً كيف كانت دينامية العلمنة مختلفة تماماً في الثقافات الأنجلو بروتستانتية عمّا كانت عليه في المجتمعات الكاثوليكية.
في القسم الأول، "توجهات"، فصلان؛ يتناول الأول "علم الاجتماع والدين والعلمنة" العلاقة بين علم الاجتماع والدين، والعلاقة بين علم الاجتماع واللاهوت، حيث يقول إنها رواية استرجاعية لمواجهة شخصية مع هذه القضية تحديداً، وهي العلمنة، وفي الثاني "التوسّع الإنجيلي في المجتمع العالمي" يجد مارتن أن ثمة تحولاً متصلاً بالعولمة، أحدثه تمازج ديني بين السود والبيض في الغرب الذي رفض وصاية الإنتلجنسيا بعد البروتستانتية وبعد الكاثوليكية.
يضمّ القسم الثاني، "أوروبا"، ستة فصول. يُظهر مارتن في الفصل الثالث "أنماط متنافسة من العَلمنة و"طرق النصر" التابعة لها" كيف يتضمن الدين كل ما لا يشمله تعريف صفائي للدين، ويعيد في الفصل الرابع "العلمنة المقارنة شمالاً وجنوباً" صوغ مفهومه للعلمنة، ثم يبتكر مقاربة جديدة تستند إلى رحلة في أرجاء أوروبا، على نحوٍ يلقي الضوء على بعض المبادئ التحليلية المهمة.
في الفصل الخامس، "الدين والدنيوية والعلمانية والتوحيد الأوروبي"، يرى المؤلّف أن ثمة سيرورة علمانية لا يمكن إنكارها، تؤثر في قدرة الكنائس على إعادة إنتاج نفسها، وإعادة إنتاج ذاكرتها التاريخية بين الأجيال الشابة، ويطرح في الفصل السادس "كندا من منظور مقارن" أسئلة لا إجابة عنها إلا في سياق الحالة الكندية: هل هناك ثقافات تأسيسية؟ ما حجمها؟ ما قوتها النسبية وتوزّعها على الأرض؟
يتضمّن الفصل السابع "الولايات المتحدة الأميركية من منظور وسط أوروبا" مقارنتين: الأولى بين بيئة الفضاء المقدس في ميونخ وبرلين بصفتهما قطبين متنافسين في بلد فدرالي بنسختين رئيستين من المسيحية متوازنتين عددياً؛ والثانية بين الفضاء المقدس في ألمانيا والفضاءات المقدسة المتعددة في الولايات المتحدة، وهي دولة فدرالية أيضاً تضم أشكالاً متنوعة من المسيحية، لكن تترابط من خلال أسطورة "الدين الأميركي" المشتركة، والمتداخلة مع "الدين المدني".
يناقش الفصل الثامن "أوروبا الوسطى وتراخي الاحتكار والرباط الديني" مثال هنغاريا، وفردنة الروحانية المعاصرة مقارنةً بجماعات الكاثوليكية والبروتستانتية الأخلاقية الأكثر عضوية التي تحتفظ بروابط مؤسساتية مع الدولة.
في القسم الثالث "السرديّات والسرديّات الكبرى"، فصلان. يعلّق مارتن في الفصل التاسع، "العلمنة: سرديّة كبرى أم قصص عدة؟"، على الأنموذج القياسي للعلمنة الذي استطاع الصمود أربعة عقود أمام الضغط لأنه ليس خاطئاً، وفي الفصل العاشر "البنتكوستالية: سرديّة حداثة كبرى"، يقول إن أول ما نحتاج إليه عند عرض سرديّة كبرى مبنية على البنتكوستالية بصفتها خياراً عالميّاً هو تقديم أنموذج لعلاقة الدين بالمجتمع والثقافة.
يحتوي القسم الرابع "تعليقات"، ثلاثة فصول. في الفصل الحادي عشر، "الإرسالية وتعدد الأديان"، يجد المؤلف نوعين من التعددية الدينية: الأول هو التعددية الطائفية التي تقوم على التقارب المتسامح للأديان ضمن وحدة اجتماعية أكبر، حيث هناك في معظم الأحيان جماعة متفوقة ومركزية بين جماعات أخرى ثانوية وهامشية. والثاني يكمن في المنافسة المفتوحة لعوالم الحياة وأساليبها. ويرى أن علينا النظر ملياً في نوعي التعددية هذين، بينما يتّسعان في العالم المعاصر وينحصران.