الثقافي

الأعمال العربية المشتركة... من سينما الماضي إلى دراما اليوم

الحنين إلى الماضي

لم يكن التعاون الفني بين دول الوطن العربي غائباً، وتحديداً في مصر ولبنان وسورية. وغالباً ما كان إطار هذا التعاون ضمن السينما في أفلامٍ مثل: "خياط للسيدات" و"مقلب في المكسيك" و"زوجتي من الهيبيز" و"سمك بلا حسك" وغيرهم، الأمر الذي أعطى حينها طابعاً وهوية للسينما العربية التي تخطَّت حدود اللكنة، وحصدت جمهوراً في أكثر من دولة معاً.

نظرية المضمون التجاري للأعمال السينمائية كانت حاضرة، ولم تكن غائبة. إذ كان يروج للأعمال باستقطاب الممثلات الجميلات، وإضافة عنصر الإغراء الذي يصل لحد التعري أحياناً، وذلك لاستقطاب شريحة أكبر من الجمهور وبيع عدد أكبر من التذاكر. والملفت أن الهوية البصرية، رغم أنها بدت عفوية، كانت قد لاقت رواجاً وأثراً كبيراً لدى الناس، لتكون محببة إلى يومنا هذا. فنجد الجمهور يثبت على القناة التي تعرض ذلك الفيلم، ليعيدهم لزمن كانت فيه ملامح مدنهم أجمل، مع الكثير من الحنين للماضي، حتى أنهم يتفاعلون مع الفيلم، وكأنه يعرض لأول مرة.

أبطال هذه الأعمال هي أسماء خلدها الفن مثل: صباح وسعاد حسني ونهاد قلعي وياسين بقوش ودريد لحام الذين رحل أكثرهم، ومن بقي باتت مشاركاته بحكم ضيف الشرف دومًا في الأعمال الحالية، ولكن بحضور المفارقات الإنتاجية، وبعودة سوق الأعمال المشتركة سينمائياً ودرامياً عبر إمكانيات وتقنيات أقوى. إلا أن ما يطرح اليوم هو أقل قيمةً من الناحية الفنية، وأكثر ربحاً مقارنة بالسابق، مع وضع في لائحة البطولة تلك الأسماء الحاضرة في "تريند" مواقع التواصل الاجتماعي، بعيداً من الاعتماد على التاريخ الفني أو السوية الفنية لهم، وذلك بهدف كسب مال أكثر على شباك التذاكر.

ما يطرح اليوم للناس سينمائياً ودرامياً لا يحتمل المقارنة بتلك الأعمال الأثيرة لدى الجمهور، رغم بساطة إخراجها وإنتاجها وحتى مضمون السيناريو المكتوب، على عكس الأفلام والمسلسلات التي يصرف عليها بالملايين لنحصل على نتائج خالية من الحبكة المتينة عدا عن النهاية الخالية من التبرير الواضح أو التمهيد المنطقي. وتبرير "الجمهور عايز كده" الذي بات مهرباً لكثير من صانعي الأفلام لحفظ ماء وجههم أمام النقاد. السوق يطلب، وشركات الإنتاج تلبي ما يشار إلى أنه طلب الجمهور، دون الاكتراث لمحاولة تحسين الذائقة الفنية التي غيّب وجودها، بسبب ما تم بثه في أذهان المشاهدين وعيونهم من تلوث بصري وفكري نتيجة التراكم الذي لا ينفصل عن التغيرات السياسية والاقتصادية في المنطقة، وانعكاساتها على المجتمع. فضمن سورية مثلاً، ونتيجة للصراعات الناجمة عن الثورة، نتج عنها هجرة نجوم سورية، واستغلال مقدراتهم وشهرتهم ضمن الدراما المشتركة. وهذا واضح للعيان عند المقارنة بما أنتجته الدراما السورية قبل الحرب وما بعد الحرب، لتكون المحاولات الناجحة بصنع سوية درامية عالية، بعد أن توافرت أول محاولة للتصوير في داخل سورية، ضمن شروط فنية محكمة عبر مسلسل " دقيقة صمت" الذي أثار بلبلة فنية وسياسية على عكس باقي الأعمال.

ما بين الماضي والحاضر، يُهمَّش المضمون والعنوان، فيما إن وضعنا المقارنة على الطاولة، إذ يتمنّى الجمهور العربي بأن يعود ذلك الزمن الجميل الذي يسوق لنفسه بعفوية، بعيداً عن الهيمنة على أفكار المجتمعات وقولبة الدراما والسينما إلى قوالب جاهزة يجري استيرادها ومحاولة تعريبها عبر حقنها بإبر إنعاش. وكأن الإثارة خلقت للغرب، والمجتمع العربي خلا من القصص لنستورد جريمة قتل حدثت في مسلسل إسباني، ونسقطها على العالم العربي. وهذا ليس بخطأ في حال توفر العراب المتمكن من إعادة تقديم القصة بروح عربية، وليس بنقلها كما هي دون أي اكتراث بوعي الجمهور الذي بات مقتنعاً أن الدراما المشتركة باتت تنهي نفسها بنفسها.

الوكالات

من نفس القسم الثقافي