الثقافي
"دولار": دراما لا تساوي ربع قيمة الورقة الخضراء
من بطولة الجزائرية المغتربة أمل بوشوشة
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 24 أوت 2019
لم يحظَ مسلسل "دولار" الذي بثته شبكة "نتفليكس" أخيراً بردود فعل إيجابية. جاء العمل دون مستوى توقعات الجمهور وفق تعليقات متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي، ولا سيما أن الجمهور العربي كان يأمل أن يرتقي مستوى الدراما العربية بعد دخول شبكة "نتفليكس" في سوق الإنتاج، نظراً إلى مستوى الأعمال التي اعتاد الجمهور على متابعتها على المنصة الإلكترونية الشهيرة.
ردود فعل الجمهور حول "دولار" الذي ضم نخبة من النجوم العرب، أمثال اللبناني عادل كرم والجزائرية أمل بوشوشة، لا تختلف كثيراً عن ردود الفعل حول مسلسل "جن"، أول مسلسل عربي أنتجته "نتفليكس"؛ وإن كانت طبيعة النقد تختلف بعض الشيء، ما بين مسلسل "جن" الذي بدا ضعيفاً رغم جدة موضوعه واعتبره البعض لا يراعي التقاليد العربية، وما بين مسلسل "دولار" الذي بدا ضعيفاً ومألوفاً، فهو لا يختلف كثيراً عن مسلسلات "الآراب باند" .
تدور حكاية مسلسل "دولار" حول رجل وفتاة التقيا بالصدفة وهما يطاردان الورقة التي ستربح مليون دولار. خلال هذه الرحلة، يحدث العديد من المواقف، ويشهدان كثيراً من الحكايات، التي بدت غالبها مبالغاً بها إلى حد السذاجة، ومفبركة وغير مقنعة على الإطلاق. وبالإضافة لضعف حبكة المسلسل الذي تشارك في كتابته ثمانية كتاب، ثمة ضعف الإخراج والأخطاء الكارثية فيه، ابتداءً بالأجواء والأزياء الصيفية التي يرتديها جميع الممثلين في العمل في الأسبوع الأخير من رأس السنة الميلادية، ووصولاً إلى حركات الكاميرا البهلوانية بتتبع ورقة الدولار.
لا تقتصر مشكلة مسلسل "دولار" على تواضع مستواه، بل هي تتعدّى ذلك إلى مشاكل أخلاقية بشكل الطرح، فالمسلسل بدا في الكثير من اللحظات عنصرياً ويساهم برسم صور نمطية اتجاه جماعات بشرية وجنسيات عدة.
في إحدى الحلقات، يُدرك بطلَا المسلسل أن ورقة الدولار التي يبحثان عنها أصبحت ملك إحدى العاملات الأجنبيات، وبالصدفة يكون ذلك في يوم إجازتها التي أبعدتها عن بيت الطبيب اللبناني الذي تعمل فيه خادمة؛ فيقتحم البطلان حفلة عيد ميلادها ويسألان أي فتاة ذات ملامح شرق آسيوية عن ورقة الدولار، ويتعاملان مع كل فتاة ذات ملامح شرق آسيوية على أنها خادمة؛ ومع جميع الفتيات يستخدم البطلان لغة خطابية فوقية تبرزهما كأسياد على هؤلاء العاملات، فيصرخان عليهنّ باللغة العربية من دون مبرر. ويزداد غضبهما لعدم إدراكهن اللغة، ليخاطبوهنّ من جديد بنبرة أعلى تخلو من الاحترام، كما يتم في المشهد الاستهزاء من طريقة تواصل العاملات مع ذويهم عبر الهاتف، إذ يمنع البطل العاملة من استخدام الهاتف والتكلم مع أهلها بحضوره.
وفي الحلقة نفسها يدرك البطلان أن العاملة الأجنبية صرفت ورقة الدولار ضمن سوق شعبي يحتوي على عدد من الأكشاك التي تبيع بضائع مختلفة بقيمة دولار واحد، وعندما يتوجهان إلى صاحب الكشك ويتبين لهما أنه سوري الجنسية، ينتحل البطلان صفة أمنية ويهددان العامل السوري بتسكير الكشك كونه يعمل بصورة غير شرعية مقابل أن يقوم بإعطائهم ورقة الدولار التي يبحثان عنها، وهنا يكرس العمل استضعاف العامل السورية الجنسية في لبنان، في ظل غياب قانون يحمي حقوقه المدنية.
هذه المشاهد تبدو مستفزة أكثر عندما تتم مقارنتها بالمشاهد التي يضطر فيها بطلا العمل إلى التواصل مع شخصيات لبنانية لتحصيل الدولار، كون العمل يصور برمته في مدينة بيروت. ففي الحوار مع الشخصيات اللبنانية، يقوم البطلان بالبحث مطولاً عن أسلوب لبق ليتمكّنا من الحصول على الدولار، أو يلجآن إلى بعض الأساليب الملتوية، التي لا تقلل من قيمة الشخص الآخر، كالإغراء والاحتيال، أما الترهيب والتعامل بأسلوب فوقي والخطاب بلغة الأمر فهو لا يتم إلا في حواراتهما مع الشخصيات الأجنبية.
وكذلك فإن مسلسل "دولار" يساهم بشكل واضح في رسم صور نمطية عن السوريين بشكل خاص، ففي إحدى الحلقات تقحم شخصيتان سوريتان، وتحمّل هاتان الشخصيتان العديد من الصور النمطية المعيبة والمخجلة بحق السوريين في لبنان، دون أن يكون هناك أي مبرر درامي لذكر جنسية الشخصيتين.
في الحلقة قبل الأخيرة، تصل ورقة الدولار إلى فتاة (يارا قاسم) هربت من أهلها في سورية إلى لبنان لتخوض تجربة الأداء في أحد برامج المواهب، ويصور لنا العمل الفتاة على أنها هاربة من التعصب الديني والتطرف في سورية، ويجعل هذه الفتاة ترتدي حجاباً فوق "بانطو" عريض، لتبدو شبيهة بالصور النمطية عن اللاجئين السوريين. تتعرض هذه الفتاة لمحاولة اغتصاب من قبل عامل سوري بعد أن يقدم لها المساعدة، ليبدو السوريون في المسلسل كأنهم أشخاص من ثقافة أدنى، ومجرمون ومغتصبون ومتحرشون، ويعيشون في أحياء فقيرة في لبنان وعلى أسطح المنازل أو قادمون من بيئة متحفظة ومنغلقة.
إلا أن مخرج المسلسل السوري، سامر برقاوي، يرفع الفنانين السوريين أمثاله، ويضعهم بمكانة أعلى من باقي الشعب السوري، فلا يظهر السوريون بصورة لائقة إلا أولئك العاملين في الوسط الفني، كما هو الحال بالنسبة لمساعد المخرج أكثم حمادة، الذي يظهر بشخصيته الحقيقية، ويتعامل معه الجميع بطريقة محترمة لكونه فناناً؛ وكذلك الحال بالنسبة لأويس مخللاتي، الذي يشارك في المسلسل بمشهد واحد، بشخصية "صخر" التي اشتهر بأدائها في مسلسل "الهيبة"، فيلاحقه بطلا المسلسل لأنه فنان معروف؛ وكذلك أيضاً هو الحال مع يارا قاسم، التي يبدأ المجتمع المحيط بها يتقبّلها ويحترمها بعد أن تخلع رداءها وترتدي فستاناً مثيراً، وتبدأ أولى خطواتها بعالم الغناء.
ف. س/ الوكالات