الثقافي

"المنطقة المعتمة" لـ فرِد كابلان.. بيت أميركا الزجاجي

"المنطقة المعتمة: التاريخ السري للحرب السيبرانية" هو عنوان خامس إصدارات فرِد كابلان (1954)، الحائز على "جائزة بوليتزر" في الصحافة، والذي أصدر سلسلةً من الكتب تناول فيها الأمن القومي في أميركا والأمن العالمي بالعموم من خلال الواقع الافتراضي.

ألّف كابلان سابقاً كتاب "عرافو هرمجدون" الذي تطرق فيه إلى استراتيجية الحرب النووية، و"معتنقو أحلام اليقظة" وهو عمل عن المفكرين في إدارة جورج دبليو بوش الذين اعتقدوا أن بإمكانهم تغيير العالم لصالح أميركا بأقل كلفة، وأيضاً "المتمردون" الذي تناول فيه منظري مكافحة التمرد الذين حاولوا تغيير طريقة الحرب الأميركية.

بدأت فكرة الكتاب، الصادر بالعربية حديثاً ضمن سلسلة "عالم المعرفة" بترجمة لؤي عبد المجيد، من مقابلة كان يتابعها الكاتب مع روبرت غيتس، وزير الدفاع الأميركي الأسبق، تحدث فيها عن كيف كان يتلقى يومياً إحاطة حول عدد الهجمات الإلكترونية التي كانت تستهدف البنتاغون، قائلاً: "نحن بحاجة إلى التعاون مع القوى السيبرانية الكبرى ومعرفة بعض قواعد الطريق".

حتى في أسوأ أيام الحرب الباردة، كانت ثمة قواعد للحرب مع الاتحاد السوفييتي من قبيل عدم قتل الجواسيس وأنواع الأهداف التي لا يجب مهاجمتها، بينما الحرب اليوم تشبه التجوال في أرض مظلمة، وهو الواقع الذي استلهم منه المؤلف عنوان كتابه. يُستَخدم "الأرض المظلمة" أيضاً كمصطلح فني في خطوط السكك الحديدية في أميركا الشمالية لتعيين مساحات من المسارات التي لا تحكمها إشارات.

ولأن مشروع الردع السيبراني في هذه الحقبة هو الشغل الشاغل لوكالة الأمن القومي الأميركية، تحدث كابلان مع أكثر من مائة شخصية لإنجاز كتاب عن هذه المسائل شديدة السرية، منها ستة من مديري وكالة الأمن القومي السابقين.

ويذكر في هذا السياق، قصةً حدثت في حقبة رونالد ريغان، ففي نهاية الأسبوع الأول من يونيو 1983، وبينما الرئيس الأميركي في كامب ديفيد، شاهد فيلم "ألعاب الحرب" الذي قام فيه مراهق باختراق البنتاغون، وحين عاد ريغان إلى البيت الأبيض سأل في أحد الاجتماعات إن كان سيناريو هذا الفيلم ممكناً؟ انطلاقاً من تلك الحادثة، يتتبع الكاتب قصص قادة الحكومة الأميركية وفرق "حرب المعلومات" في الخدمات العسكرية الذين لعبوا أدواراً رئيسية في تطوير سياسة الأمن السيبراني.

سنجد في الكتاب قصصاً من حرب الخليج عام 1991 إلى النزاعات في هايتي وصربيا وسورية والجمهوريات السوفييتية السابقة والعراق وإيران. لكن تُؤخذ على العمل مشكلتان، حيث إن الكاتب تتوفر لديه معلومات كثيرة، لكنه عاجز عن الاستفاضة أو الغوص فيها، من هنا يضم الكتاب الكثير من الحكايات غير المكتملة، والشخصيات التي غالباً ما تظهر وتختفي بسرعة كبيرة، حيث تدوّن القصة في فقرة أو فقرتين، ويبدأ الكاتب في غيرها من دون أن يعود إليها لاحقاً أو يخلص منها إلى شيء ما.

الولايات المتحدة تعتمد على الإنترنت أكثر من خصومها. يقول كابلان: "إذا أرادت أميركا، أو القيادة السيبرانية الأميركية شن حرب إلكترونية، فستفعل ذلك من داخل بيت زجاجي"، ويبدو أن قلة قليلة ممن هم في وضع يسمح لهم بالتأثير على السياسة الأميركية في هذا الشأن، ويتساءلون عما إذا كان من الحكمة الاعتماد الكلي على بيت زجاجي وحمايته من آلاف الحجارة.

في المقابل، فإن الحكومات الأجنبية عبارة عن صناديق سوداء في كتاب كابلان، يقول الكاتب في "نيويورك تايمز"، بي.دبليو سنجر في مراجعة للكتاب، معتبراً أن المسؤولين في واشنطن يواجهون صعوبة في قبول حقيقة بسيطة حولها، أنه على الرغم من أن الإنترنت قد يكون تم إنشاؤه بواسطة برنامج أبحاث حكومي للولايات المتحدة، إلا أنه لم يعد خاضعاً لسيطرة الحكومة الأميركية.

من نفس القسم الثقافي