الثقافي

صفر إيكو: مؤامرة على الإنسان العادي

"العدد صفر" رواية الكاتب الإيطالي الراحل أمبرتو إيكو التي صدرت عن دار "الكتاب الجديد"، مؤخراً بترجمة أحمد الصمعي. تدور الرواية حول شيء نرغب فيه كلنا حين تحتدم الصراعات من حولنا، وهو التثبّت من صحة الأخبار التي ترد إلينا، ومع وجود هذا الكم الهائل من الأخبار والمعلومات المندفعة إلى الجماهير من وسائل الإعلام والصحافة، يقع على عاتق كل فرد عبء اختيار الجانب الذي ينظر إلى العالم من خلاله.

حول هذه الفكرة تدور الرواية التي كتبها إيكو على شكل دفتر يوميات لبطلها الصحافي الخمسيني كولونا، الذي عاش حياة ليست جديرة بالاهتمام وتنقّل بين العديد من الوظائف مثل الترجمة والتحرير الصحافي لبعض الصحف المغمورة، حتى التقى سيماي الناشر الذي يعمل لحساب رجل أعمال يرغب في إطلاق مجموعة من الأعداد الصفرية لجريدة لن تصدر أبداً، وليس لها هدف سوى تسهيل دخول صاحبها المدعو فيمركاتي، إلى الصالونات الرسمية للأوساط المالية، والمصارف وربما الصحف الكبرى أيضاً، لتكون الجريدة أداة ابتزاز ومثالاً للإعلام الفضائحي الموجّه لمصلحة شخص بعينه.

يأخذ السرد شكلاً دائرياً، لتبدأ الرواية بكولونا مطارداً من بعض الأشخاص الذين يريدون شيئاً ما في حوزته، ويتنقل إيكو بين الأزمنة ليظهر الاتفاق السري بين كولونا والناشر سيماي الذي يعتبر حلقة الوصل بين المموّل وبين فريق التحرير المكوّن من خمسة أفراد أصحاب تجارب فاشلة، تم اختيارهم من قبل كولونا لتحرير الأعداد الصفرية للجريدة.

تقع أحداث الرواية في مدينة ميلانو الإيطالية في بداية التسعينيات، وتحمل شيئاً من أجواء رواية إيكو الأشهر "اسم الوردة" ولكن بشكل أبسط وشخصيات أكثر قرباً من القارئ العادي، الذي يبحث عن المتعة في القراءة، خاصة في وجود أجواء نظرية المؤامرة التي كان إيكو مهووساً بها، والتي أصبحت تتغلغل في ثقافة الإنسان العادي.

من خلال اجتماعات هيئة تحرير الصحيفة، تظهر الكيفية التي تعتمدها وسائل الإعلام لتوجيه الجماهير وتيسير الشائعات، والتلاعب بالعناوين لتشويه شخص ما أو تحسين صورة آخر، حسب توجّه الجريدة، لتصبح الحقيقة غير مؤكدة دائماً في انتظار إثبات أو نفي وسائل الإعلام التي تعمل لمصالح فئة محدودة من رجال المال والسلطة.يتنقّل السرد إلى زمن آخر مع الانتقال إلى شخصية أخرى من أعضاء الفريق الصحافي الذي يرأسه كولونا؛ برغادوتشيو الصحافي الذي يعمل على تحقيق صحافي يتعلق بقضية مقتل موسوليني، ليفكك الأحداث والوقائع القديمة ويعيد تركيبها من جديد فيما يشبه الأحاجي، ليخرج بتحليل جديد وفرضية مختلفة لمقتل الدوتشي، يلمح إيكو من خلالها أنه ربما تكون هناك العديد من التأريخات المغايرة.يترك إيكو الحقيقة ملتبسة، فلا يؤكدها ولا ينفيها ولا يمكن تبيّن إن كان ما يرويه الصحافي برغادتشيو محض مؤامرة في مخيّلته المهووسة بالمؤامرات، أم رواية حقيقية تستحق الالتفات إليها حتى تعثر الشرطة في نهاية الأمر على برغادتشيو مقتولاً لأنه عرف أكثر مما ينبغي، خوفاً من خروج المعلومات التي جمعها، ليتأكد الجميع وقتها من صدق رواية برغادتشيو والذي كان قتله مؤشراً على خطورة مشروع الجريدة بالكامل، ليقرّر مموّل الجريدة إنهاء المشروع تماماً وإعفاء الصحافيين من مهامهم.

من نفس القسم الثقافي