الثقافي

تجربة درويش الشعرية في كتابين بالعربية والفرنسية عن منشورات البرزخ

يمثل العملان تجربة الراحل عن كثب من حيث المختارات المقدمة في هذا العمل في ذكرى رحيله

تقدم منشورات البرزخ بالجزائر إصدارين شعريين احتفاء بالذكرى الحادية عشر لرحيل الشاعر الكبير محمود درويش, ويمثل العملان تجربة محمود درويش عن كثب من حيث المختارات المقدمة بالفرنسية والعربية، وتضع منشورات البرزخ القارئ الجزائري باللغتين العربية والفرنسية أمام وجبة درويشية نادرة منتقاة بعيني شاعرين ومترجمين كبيرين, هما الفلسطيني إلياس صنبر والمغربي عبد اللطيف اللعبي اللذين اختارا عددا من القصائد التي احدث صدورها صدى في الذاكرة القرائية الشعرية ما زال مستمرا منذ عقود.

ويقترب الكتاب الأول وهو انطولوجيا شعرية بعنوانه " rien qu'une autre année" المأخوذ عن قصيدة "سنة أخرى فقط" من تجربة الشاعر بين سنتي 1966 و1982 والتي تضم تعسة دواوين شعرية اختارها المترجم عبد اللطيف اللعبي لينقلها إلى اللغة الفرنسية.

فتتحت الأنطولوجيا بقصائد من ديوان "عاشق من فلسطين" (1966) وهي الغنائيات الأولى لمحمود درويش التي عرف من خلالها القارئ العربي قصيدة "إلى أمي" وقصائد عن عشق قديم" وغيرها من النصوص الشعرية التي رسمت مولد الشاعر في العالم العربي.

واختار اللعبي ست قصائد من ثاني دواوين درويش "آخر الليل" (1967) الذي صدر محملا بالهم السياسي والنكسة فنقل قصيدة "ريتا والبندقية" بما تحمل من شجن وأسئلة عشق وغضب وانكسار وقصيدة >"المستحيل" التي تستلهم من الواقع آنذاك وغيرها من النصوص.

وكانت المجموعة الشعرية الثالثة "العصافير تموت في الجليل" (1970) أكثر حضورا في الإصدار بتسع قصائد وهي المجموعة التي شهدت تحولا في شعرية درويش وحملت النصوص المحفورة في الوعي الشعري العربي على غرار "مطر ناعم في خريف بعيد" و"ريتا... أحبيني" و"سقوط القمر" وغيرها من الأشعار التي تنتصر للحب والإنسان ولا تتخلى عن مساءلة الظلم والطغيان.

ومن ديوان "حبيبتي تنهض من نومها" (1970) اختار المترجم ثلاثة نصوص من أبرزها "جواز سفر" التي غناها مارسيل خليفة و"يوميات جرح فلسطيني" التي أهداها الشاعر لفدوى طوقان وعاد فيها لأوجاع النكسة سنة 1967 و"كتابة على ضوء البندقية" وهي القصيدة السردية بامتياز حيث توجد حكاية وأبطال ودراما.

ومن مجموعة "أحبك أو لا أحبك" (1972) ترجم اللعبي قصائد مختارة "مزامير" و"عازف الغيثار المتجول" و"مرة أخرى" و"عابر سبيل" والقصيدة الشهيرة "سرحان يشرب القهوة في الكافتيريا" التي يتقمص فيها سرحان سيرة ممكنة لكل فلسطيني.

ومن "محاولة رقم 7" (1975) اختار المترجم "كأني أحبك" و"الخروج من ساحل المتوسط" و"النهر غريب وأنت حبيبتي" و"طوبى لشيء لم يصل" وهو ديوان رمزي في مسار درويش, حيث اختار له عنوانا يوحي بمراجعته لتجربته السابقة, كما أنه مهد لتجربة مختلفة على رأسها ديوان "أعراس" 1977 الذي قدمت منه الأنطولوجيا سبع قصائد.

افتتح المترجم مختارات مجموعة "أعراس" بالقصيدة العنوان "أعراس" وضمنها "كان ما سوف يكون" و"هكذا قالت الشجرة المهملة" و"الحديقة النائمة" والرائعة "قصيدة الأرض", وقصيدة "أحمد الزعتر" التي قرأت حصار "مخيم تل الزعتر" في لبنان ومقتل وتشريد آلاف الفلسطينيين بصوت الشعر.

وقدم المترجم القصائد والدواوين المطولة "أقبية, أندلسية, صحراء" 1978 و"قصيدة بيروت" 1981 التي خلدت في الذاكرة "بيروت خيمتنا بيروت نجمتنا", و"سنة أخرى فقط" 1982 والتي يستجدي فيها الزمن مكتفيا بما تبقى من رفاق ليعيش مكثفا.

ويعد مترجم نصوص الانطولوجيا الشعرية "سنة أخرى فقط" عبد اللطيف اللعبي (1942) اسما مرموقا في عالم الأدب صدرت له الكثير من الأعمال الأدبية وترجم الكثير من الأدب العربي سبق ان حاز جائزة الغونكور الفرنسية سنة 2010.

وفي الإصدار الثاني الذي يكاد يكون جزءا ثانيا غير معلن, يقترح المترجم الياس صنبر سبعة دواوين ومطولات تمثل تجربة محمود درويش منذ 1992 إلى غاية 2005, وهي أنطولوجيا باللّغتين العربية والفرنسية صدر لها فاروق مردم بك معتبرا أن كل عمل من المختارات "اعتبر لدى صدوره كعمل كبير وإضافة مهمة في تاريخ الشعرية العربية".

وترجم صنبر من "أحد عشر كوكبا" اثني عشر نصا وترجم "خطبة الهندي الأحمر ما قبل الأخير أمام الرّجل الأبيض" وست قصائد من ديوان "لماذا تركت الحصان وحيدا", وأربع قصائد من "سرير الغريبة", بالإضافة إلى مقطع من "جدارية" وحالة حصار" وتسع قصائد من "لا تعتذر عما فعلت" وست قصائد من "كزهر اللوز أو أبعد".

ويعتبر إلياس صنبر (1947) أحد أبرز مترجمي محمود درويش, وقد اشتهرت ترجماته لدى المتلقي الفرانكفوني سمحت له بالاقتراب من عوالم درويش, وهو مؤرخ وشاعر ودبلوماسي فلسطيني.

توفي محمود درويش في 9 أغسطس سنة 2008 اثر عملية جراحية في هوستن الأمريكية وما زال يعتبر أحد أبرز الأصوات الشعرية في العالم في القرن العشرين, عاش متنقلا بين عديد عواصم العالم حاملا ذاكرته المجروحة وقلبه الموجوع والكثير من القصائد الحالمة والقاتمة والمضيئة في آن، أما عن بداياته فقد بدأ محمود درويش الشعر في سن صغيرة فكانت أول قصائده وهو في المرحلة الابتدائية، وفي تلك الفترة في الوطن اتسم شعره بالتكون وبداية وعيه بقضية وطنه وانتمائه له تحت فبضة الاحتلال، واتسم عندها بالماركسية ومال للتيار الرومانسي في الشعر العربي المعاصر مقتديًا بشعراء أمثال نزار قباني، وكان نصه الشعري مباشرًا، حتى خرج ليعيش في القاهرة ومن ثم بيروت فبدأ شعره في أخذ طابع الثورية والاهتمام بالقومية العربية. ورويدًا رويدًا تطور أسلوبه فأخذ يستخدم دلالات شعرية أكثر واستخدم التاريخ والدين والأسطورة والأدب والحضارة أكثر من قبل بكثير، ثم المرحلة الثالثة والأخيرة عندما بدأ في الدخول في مرحلة الوعي الممكن والحلم الإنساني – خاصة في باريس – بعدما فقد الأمل في القومية العربية بعد الخروج من لبنان والحرب الأهلية هناك فساعده ذلك على الانفصال تدريجيًا عن خطابه الأيدولوجي المباشر.

حصد محمود درويش بشعره الكثير والكثير من الجوائز مثل جائزة البحر المتوسط 1980 ودرع الثورة الفلسطينية 1981 ولوحة أوروبا للشعر 1981 وجائزة الآداب من وزارة الثقافة الفرنسية 1997 وغيرها الكثير.

مريم. ع

 

من نفس القسم الثقافي