الثقافي
"عتبات في الجماليات البصرية": الفوتوغرافيا وأفكارها
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 06 أوت 2019
منذ فترة طويلة كان توجّه النقد الفني إلى الكتابة في موضوع الفوتوغرافيا توجّهاً محتشماً، فالمواضيع حول الصورة، عربياً، تكاد أن تكون شبه منعدمة، ولم يكن هناك إلى الأمس القريب كتب خالصة تأخذ على عاتقها بسط أسس فن التصوير وقضاياه، توازي على الأقل الحماسة التي نلاحظها في ممارسة التصوير. فالمبدعون المغاربة يسيرون في ممارسة التصوير برؤى مختلفة دون وجود خط نقدي مواز.
وفي محاولة لسد القليل من هذا الفراغ يأتي كتاب "عتبات في الجماليات البصرية.. الفوتوغرافيا" لـ إدريس القرّي. وهو كتاب أوّل ضمن رباعية تكتمل أجزاؤها لاحقاً تحيط بعد الصورة الفوتوغرافية، بالسينما والمسرح والتشكيل. يأتي عمل القرّي، في وقت صارت فيه التكنولوجيا مقياساً لصناعة الصورة ووسيلتها الأحادية، الكتاب يسائل هذه المسلّمة وينظر لها من زاويته الخاصة، فامتلاك التقنية بحسب الكاتب "يظل في شكله المعزول عن إمكانات توظيفها امتلاكاً ناقصاً ولا يؤدّي إلى بناء ثقافي، خصوصاً في ظل بيئة سريعة التطوّر في مجال صناعة الصورة".
في هذا السياق يعتبر القرّي "أن الفنون البصرية عامة، والفوتوغرافيا باعتبارها قاعدة هذه الفنون، لن تتنفس ثقافتها وأصالتها وجذورها التي يُشغلها الهواة والمحترفون، ولن تندمج في محيطها الإنساني والحضاري، ولن تكون فيه ناجعة ومنتجة ومساهمة في مسلسل التنمية والتثقيف والتربية المدنية، عندما يكون بعدها الجمالي غائباً".
هكذا، يؤطر الكتاب عبر خمسة فصول علاقة الصورة بمبدعها ومحيطها. يخصّص المؤلّف الفصل الأول من كتابه للتأصيل لمفهوم الفوتوغرافيا، بالإضافة إلى التتبع التاريخي لظهور الصورة وتطوّرها يرصد التداخل الذي تتجاذبه وظائفها بين الفن وخروجها عنه في ظل استثمار عناصرها في الاقتصاد والسياسة وغيرها من المجالات.
وينتقل بنا الكتاب في فصل آخر إلى العنصر الثاني في عملية الإبداع، إلى المصوّر "الفنان الفوتوغرافي"، وهو كما نطالعه في صفحات هذا الفصل، ليس بالضرورة العارف بمبادئ صناعة الصورة والتقاطها، بل هو بالإضافة إلى ذلك من لديه تصوّر يسبق الصورة، هو الذي يخلق كيمياء بين الجانبين؛ التقني والجمالي. وهو الذي يرتبط عضوياً بالتقنية من حيث هي دراية واحتراف ومهارات واستراتيجيات على رأسها المعرفة بخصائص الإضاءة وملاءمتها مع منطلقاته التعبيرية.
وتحت مدخل القصدية والتفكير البصري، يستمر النقاش في الفصل الموالي من الكتاب وهنا يحضر مفهوم القصدية حسب إدموند هوسرل، كعامل من عوامل الابداع يتجاوز الإلهام، إلى ما يتحكم فيه الإنسان ويعي إنتاجه. باعتباره محرّكاً للإبداع ومتحكما في تفاصيله ومؤدياً بالتبعية لمكوّن آخر يناقشه الكتاب هو الجمال. وفي سياق الحديث عن عملية الإبداع يستحضر القرّي دور الخيال والتخييل، مفصلاً القول بينهما ومبيّناً دورهما في عملة الإبداع، ثم ينتقل للحديث عن الإحساس أي التمثل والتأمل باعتباره سابقاً لعملية الإبداع وهو ما يشكل مفهوم التفكير البصري.
يربط الفصل الرابع بين النقد والفوتوغرافيا؛ وفيه يعدّد الكاتب عوائق الناقد الفني في ظل تعدّد مداخل الحديث عن الفن الفوتوغرافي وعن جدّية النقاد في التعاطي معه، ويذكّر بأساسيات التعامل النقدي كضرورة استناد الناقد إلى جهاز مفاهيمي، يجمع بين المعرفة والتقنية، ومزاوجته بين العنصر الفكري والعنصر الانفعالي. وفي آخر فصل، ينحاز الكتاب إلى نماذج من الصور ويقدم بالموازاة معها نصوصاً نقدية تؤطر سياقها الجمالي.
إن التساؤل الكبير الذي يجيب عنه الكتاب هو ما إذا كان التمكن من تقنيات صناعة الصورة الفوتوغرافية، أمراً ممكناً دون استحضار البعد الجمالي الذي يلتقي فيه الفن بما هو فلسفي وسوسيولوجي.