الثقافي
مستقبل الدول الأوروبية بيد شمال إفريقيا
الكاتب الأمريكي ستيفن كوك:
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 04 أوت 2019
ظلَّ اهتمام الولايات المتحدة التي تُعَد الحليف الأكبر والأكثر أهمية للدول الأوروبية منصبا لفترة طويلة على منطقة الشرق الأوسط وفي القلب منها القضية الفلسطينية وحماية الأمن القومي الإسرائيلي وتأمين الممرات المائية الدولية التي تعبر من خلالها ناقلات نفط الخليج العربي إلى دول العالم، فضلا عن محاربة الإرهاب الذي وجد من الشرق الأوسط بيئة خصبة لنموه.
وهذا الانشغال الأمريكي بمنطقة الشرق الأوسط أفضى إلى إغفال إقليم شمال إفريقيا مقارنة ببقية دول المنطقة التي لطالما قبعت في بؤرة اهتمام السياسة الخارجية الأمريكية وتحرُّكاتها.
ومن هنا، يجادل الكاتب “ستيفين كوك”، في مقال له نُشِر على موقع مجلة فورين بوليسي الأمريكية تحت عنوان “مستقبل الدول الأوروبية بيد شمال إفريقيا”، هذه الفكرة؛ إذ يدعو إلى إعادة ترتيب أولويات السياسة الخارجية الأمريكية من جديد بإعطاء أولوية لدول الشمال الإفريقي والتوقف عن جعلها منطقة اهتمام “ثانوي” للولايات المتحدة أو بالأحرى تهميشها.
يُبْرز الكاتب التقارب الجغرافي بين دول الشمال الإفريقي والدول الأوروبية لا سيما الدول الأوروبية المشاطئة للبحر المتوسط “الدول الأورومتوسطية” بالإشارة إلى المسافات التي تفصل بين الجانبيْن.
فعلى سبيل المثال، لا يفصل بين الساحليْن التونسي والإيطالي إلا 146 ميلا فقط بينما تبلغ المسافة بين الشواطئ الجزائرية ونظيرتها الفرنسية قرابة 469 ميلا. ونحو 286 ميلا تفصل بين ليبيا واليونان و9 أميال فقط هي المسافة الفاصلة بين كل من المغرب وإسبانيا ولا تتقارب الدول الأوروبية ودول الشمال الإفريقي جغرافيا فحسب، فهناك تقارب ثقافي؛ إذ أفضى الإرث الاستعماري الأوروبي إلى وجود قواسم مشتركة في منظومة القيم الثقافية السائدة بين إقليم شمال إفريقيا والدول الأوروبية لا سيما القابعة جنوب القارة العجوز.
وقد أدَّى التقارب الجغرافي، في واحدة من أبرز تداعياته، إلى تدفُّق موجات الهجرة غير النظامية من الشمال الإفريقي كدول مصدِّرة للمهاجرين غير النظاميين من مواطنيها أو كدول ترانزيت “معبر” لمهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء إلى الدول الأوروبية كإيطاليا واليونان على وجه التحديد.ويرى الكاتب أنَّ هذه الموجات من الهجرة غير النظامية التي تدفَّقت إلى الدول الأوروبية عبر الشمال الإفريقي تُنذر بضرب القيم الأوروبية الديمقراطية في مقتل.
يضيف الكاتب في مقاله بُعدا آخرا من أبعاد أهمية إيلاء الشمال الإفريقي قدرا كافيا من الاهتمام لدى صناع قرار السياسة الخارجية في كل من الولايات المتحدة والدول الأوروبية ألا وهو تأمين سيرورة إمدادات الغاز من دول الشمال الإفريقي. صحيح أنَّ الأغلبية العظمى من احتياجات أوروبا من الغاز تأتي من روسيا.بيْدَ أن هناك دولا أوروبية لا تزال تعتمد على إمدادات الغاز المقبلة من الشمال الإفريقي. ويكفي أن نشير في هذا السياق إلى أنه قرابة الـ52 % من إمدادات الغاز لإسبانيا تأتي من الجزائر، كما يُعد إقليم شمال إفريقيا ثاني أكبر مورد للغاز الطبيعي لإيطاليا.
وبالتالي، إذا انزلقت دولة بحجم الجزائر إلى العنف والفوضى، فما الدولة التي ستكون مؤهَّلة لإمداد الدول الأوروبية باحتياجاتها من الغاز الطبيعي؟ آخذا في الاعتبار أن دولة مثل ليبيا التي تزخر بالغاز الطبيعي تشهد حربا أهلية ضروسا، ولدى الدولة المصرية كميات من الغاز خاصة عقب اكتشافات الغاز في البحر المتوسط لكنها غير مؤهَّلة حتى اللحظة الراهنة لإمداد أوروبا باحتياجاتها من الغاز.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أنَّ دولا كالجزائر وليبيا تتقارب جغرافيا وتتشارك حدودها مع دول كالنيجر وتشاد ومالي وهي دول تنتشر فيها التنظيمات الإرهابية المسلحة ما يزيد المشكلة تعقيدا إذا لم تحظَ بالقدر الكافي من الاهتمام الأمريكي والأوروبي.
الوكالات