الثقافي

روكو شاموني.. أسطورة صغيرة في هامبورغ

"في عام 1950، غادر فولفغانغ كوهلير منزله. لملمَ أغراضه في الساعة الخامسة صباحاً، مشى من بيته على طول الشارع الرئيسي حتى استقلّ الباص الذاهب إلى شيمّيتس. تجاوزَ محلّ والده لصنع الأقفال والمفاتيح. من يومها لم يعُد أبداً إلى الكراج الرمادي اللعين". هكذا تبدأ رواية "الحرية الكبيرة" للكاتب الألماني روكو شاموني، والتي صدرت مؤخراً عن "دار هانزه". لوهلة، يبدو العنوان عادياً وكلاسيكياً للغاية، وربما مباشراً، ولكن مع الدخول في عوالمها، سنكتشف أن العنوان هو اسم شارع "الحرية الكبيرة" الشهير في حي سان باولي بمدينة هامبورغ الألمانية.

وصل فولي، وهو الاسم المعروف لـ فولفغانغ كوهلير، إلى هامبورغ في تلك السنوات الصعبة التي أعقبَت الحرب العالمية الثانية، حيث عاين الناس الدمار الكبير الذي لحق بالمكان وساكنيه الذين ظلوا على قيد الحياة.

كان يبحث، كالكثيرين من شبّان ذلك الوقت، عن أقصى أنواع الحرية في شارع يحمل اسم "الحرية الكبيرة" ويقع في حي شهيرٍ معروف بالنوادي الليلية وباعة المخدّرات ودور السينما التي تعرض الأفلام الإباحية ونوادي التعرّي والبغاء. كان، أيضاً، مكاناً يجتمع فيه الفنّانون والرسّامون والممثّلون وصانعو الأفلام والمقامرون ولاعبو الملاكمة والعازفون والسيّاح، وكانت تزور منطقة "الأضواء الحمراء" فرق موسيقية شهيرة، من بينها فرقٌ انطلقت شهرتها من هذا الحي الذي يفتخر بوجود نصب لفرقة "البيتلز" التي عزفت هناك مراراً.

يصف شاموني بطله وزمنه في أحد مقاطع الرواية: "كان فولي يبحث، كما الكثير من شبّان ذلك الزمن، عن الحرية. ولكن كان هناك، بشكل لا يُصدَّق، عدد كبير من الجدران، والتي كانت تنتظر أحداً ما يستطيع هدمها"، ويُضيف: "كبار السن لم يكن باستطاعتهم فعل أي شيء حيال ذلك، رغم أن تلك الجدران كانت زائدة عن الحاجة وقابلة للانهيار".

الجدران المقصودة هنا هي تلك التي بنَتها المعايير الاجتماعية الصارمة، أو التقاليد، في ذلك الزمن؛ كيف يجب أن تكون قواعد العيش هناك، أو مع مَن يستطيع الشخص أن يمارس الجنس، وكيفيّة الحصول على كثير من المال؟...

فولي صاحب الأفكار الماركسية سيفتتح نادياً ليلياً سيكون من روّاده فنّانون تشكيليّون وموسيقيّون وممثّلون وكتّاب وبائعات هوى. في ذلك النادي يغنّي الجميع ويتعاطون المخدّرات ويمارسون الجنس... حفلات جنونيّة صاخبة تحت دخان العقاقير التي كانت تُحلّق بالجميع إلى درجات عالية من "الحرية الكبيرة".

وسيصبح فولي أسطورة هامبورغ التي يعرفها الجميع. وهكذا تتّخذ الرواية من هذه الشخصية محوراً لتُقدّم من خلاله تاريخ المكان، منذ أن كان قسماً من الدنمارك، إلى أن صار حيّاً تُميّزه الأضواء الحمراء لإعلانات نوادي الجنس والموسيقى والبارات على تلّة معروفة من هامبورغ، وتاريخ فنّانين وبائعي مخدرّات وقوّادين وبنات ليل.

قبل سنوات طويلة، اشترى شاموني صورة لـ فولي، كان يبدو فيها وقد تقدّم في السن ومُفلساً للغاية. تلك الصورة ستُشعره بأن الرجل فقد سحره الذي كان يتميّز به كأسطورة، وكذلك الكاريزما. عن ذلك يقول: "بعد ساعة ونصف من لقائنا الأول، كان من الواضح لكلينا أن لدينا الكثير لنتحدّث عنه. وبعد ذلك صرتُ أذهب إليه دائماً، إلى ذلك الوقت الذي وُلدت فيه تلك الفكرة؛ أن نُحوّل أحاديثنا تلك إلى عمل أدبي".

الطريقة التوثيقية، أو التسجيلية، في الكتابة الروائية ليست غريبة عن صاحب "خطر المجد"، والتي كانت روايته الأولى عام 2000. وفي 2007، أصدر رواية من 34 فصلاً تشكل يوميّات وحياة العازف الشهير ميشائيل زونتاك. وقبل ذلك، أصدر روايته الأكثر شهرة "دورف بونكس" عام 2004، والتي تربّعت على قائمة أكثر الكتب مبيعاً لأسابيع عديدة، ثمّ عاد لينشر روايتيه "يوم فتح باب السماء" في 2011، و"خمسة ثقوب في السماء"، في 2016.

من نفس القسم الثقافي