الثقافي

"السرد عند نجيب محفوظ": درس اللغة الثالثة

تركّز معظم الدراسات التي تناولت تجربة نجيب محفوظ (1911 – 2006) على ثيمات معينة تتعلّق بتحديث الرواية المصرية والعربية أو تعاملها مع التاريخ في أكثر من عمل أو رصده لتحوّلات المجتمع والسلطة في حواري القاهرة.

تشكّل المضامين العنصر الأساسي في مقاربات النقّاد الذي لم يتركوا تفصيلاً له علاقة بالمكان والزمان في أعماله إلا وتناولوه بالدرس والتحليل، إلى جانب كم الكتابات التي تستعرض الجلسات والمحطّات التي جمعت صاحب "أولاد حارتنا" (1968) بالعديد من الكتّاب والمثقفين.

يتتبع الناقد والباحث الأردني محمد عبيد الله (1969) فضاءات أخرى في تجربة الروائي المصري الراحل في كتابه "الرواية العربية واللغة - تأملات في لغة السرد عند نجيب محفوظ" الصادر حديثاً عن "دار أزمنة" في عمّان.

يشير المؤلف في مقدمة الكتاب أنه "ليس من المبالغة في شيء حين ننظر إلى الرواية العربية مرتبطة باسم محفوظ رغم وجود عدد كبير من الروائيين العرب المتميزين، ولكن القارئ أو الباحث غالباً ما يستبطن تجربة محفوظ كمعيار وبوصلة تحدّد وجهة الرواية العربية، إنه العمود الأساس فيها ولا تتّضح اتجاهاتها ومعالم خريطتها دون تحديد مقدار الاقتراب من نجيب محفوظ أو الابتعاد عنه".

ويرى أن "درس نجيب محفوظ هو الدرس الأبلغ في مسيرة الرواية العربية حتى اليوم. ولقد استمرت الرواية العربية في عصر نجيب وبعده، ولكننا لا نخشى من القول إن القمّة التي بلغتها أعماله لم تتجاوزها أو تقترب منها الأعمال المعاصرة له أو اللاحقة لتجربته، وهو في ذلك يمثل تحدّياً محفّزاً للرواية العربية الجديدة، وهي تتطلّع إلى وجوه بليغة تعبّر عن انفتاح الكنز الروائي والسردي، ذلك الكنز الذي أغدق محفوظ عليه من جواهره، فأغناه وضاعف من قيمته".

يَعدّ عبيد الله مؤلّفه محاورة مع بعض إنتاج نجيب محفوظ الروائي، وبعض قصصه القصيرة التي تسهم بحظ وافر في بلاغة تجربته السردية العريضة، وتكون الكتاب من ثلاث مساهمات، أولها تلقي أضواء عامة كاشفة على الخريطة الشاملة لمحفوظ، وتحاول أن ترى بعض المعالم الكبرى في تجربته، وهي مساهمة مفيدة للقارئ العام والمتخصص معاً.

أما المساهمة الثانية فتحاول أن تتأمل ذلك الشجار الطويل بين محفوظ ولغة السرد، حتى تمخّض الشجار عن تلك اللغة المطواعة التي تقع في "العامي الفصيح" ويسميها بعض النقاد اللغة الوسطى أو اللغة الثالثة تعبيراً عن توسّطها بين العامية والفصحى، لكنها لغة فصحى في نسيجها وتراكيبها، والاستعارة العامية فيها تكاد تقتصر على المفردات، ومثل هذه الاستعارة لا تغيّر من حقيقة الفصاحة شيئاً، لأن المعوّل عليه هو التراكيب التي تجري على سنن العربية ونظامها. وقد ركز الكتاب على المسألة اللغوية في الرواية من ناحية النظرية والتطبيقة، فأبرز اهتمام بعض المنظّرين والنقّاد بموقع اللغة في الرواية، مع الاهتمام بآراء ميخائيل باختين بوجه خاص، لأنه أكثر المنظّرين اهتماماً بأسلوبية الرواية ولغتها. وقدم تحليلاً تطبيقياً لرواية "قشتمر" من منظور التعدد الصوتي، وكيفية انعكاسه على لغة الرواية وأسلوبها.

من نفس القسم الثقافي