الثقافي

"سلالم ترولار".. تقرأ مستقبلا يحدث الآن

تسرد بشكل صادم الواقع السياسي الجزائري

صدرت حديثا عن منشورات المتوسط -إيطاليا، الطبعة العربية للرواية الجديدة لسمير قسيمي "سلالم ترولار"، بعد أن كانت صدرت في طبعتها الجزائرية بالشراكة بين منشورات المتوسط ودار البرزخ، وفي روايته الجديدة يرسم الكاتب مسارات أبطاله، فوق الحد الفاصل بين الواقع الذي تعرفه الجزائر والخيال الأكثر قابلية منه للتصديق،  وتتشابك المصائر حينا وتفترق حينا آخر.

العمل هذا سيصدر كذلك في طبعة المتوسط الفلسطينية "الأدب الأقوى" (وهي سلسلة أطلقتها المتوسط لإصدار طبعة فلسطينية لعدد من كتبها بالتزامن مع صدور طبعتها في العالم العربي، لتكون كتب الدار جزءًا من العمل المقاوم لسلطات الاحتلال، من خلال كسر التضييق الذي يُفرض على القارئ الفلسطيني).

و"سلالم ترولار" رواية جريئة، صادمة، وتقرأ مستقبلا يحدثُ الآن. هي رواية تنبُّؤية، تعيدُ صياغة تاريخ الجزائر السياسي ومنه التاريخ العربي بأسلوب ساخر، يستمد مادته من عوالم فانتازية تحاكي الواقع، بحيث تحكي عن وطن تختفي فيه الأبواب لتنمحي الحدود الفاصلة بين الداخل والخارج. تمضي الرواية في رصد حيواتٍ تتقاطع وتتناسخ حسب السيناريوهات المحتملة للمشيئة في عاصمة الجزائر، أو "المدينة الدولة" التي نقرأ قصَّتَها في قصة جمال حميدي، وزوجته السابقة أولغا، وموح بوخنونة، وإبراهيم بافولولو، وغيرهم مِمَّن تتقاطع حكاياتهم مع مصير الانفجار الأعظم لقيامةٍ تأخَّرت عشرين سنة.

النص له طابع فانتازي تخيلي، حيث يصور كيف تختفي الأبواب من البيوت والمباني والمقرات الحكومية والسجون، وتنتفي الحواجز بين الداخل والخارج

فهي رواية الواقعِ الذي يتجاوز المُخيِّلة، وخيالِ الكاتب الذي يصنعُ واقعاً موازياً يتفوَّقُ فيه على ملهاة الشعوب العربية في ربيعها الممزَّق، فيصنع ملحمةً ساخرة، تُشبه ملاحم الأدب الكبرى التي تقع وجهاً لوجه مع السياسة. رواية تبعث متعة فريدة في نفس القارئ، ولكنها في نفس الوقت تشعرهُ بألمِ الوطن المغتصب الذي أحسن الكاتب وصفه في شخوصٍ تشبه المسوخ، نسج من خلالها نصّاً ما بعد حداثيّ يستشرف الثورة.

وقال قسيمي: "إن روايته الجديدة تظهر عمق الهاوية التي تتربص بالجميع وسقطت فيها الجزائر "، ويضيف: "النص له طابع فانتازي تخيلي، حيث يصور كيف تختفي الأبواب من البيوت والمباني والمقرات الحكومية والسجون، وتنتفي الحواجز بين الداخل والخارج، لتسقط الآلهة في مأزق وضوح الرؤية لدى الشعب". أما عن فكرة الرواية ومقاربتها لما يحدث في الجزائر اليوم قال الكاتب: "كانت الفكرة منذ شرعت في كتابة هذه الرواية مطلع عام 2014، أن أنتقد ما هو حاصل في الجزائر اجتماعيًا وسياسيًا وحتى دينيًا. وهو واقع شئنا أم أبينا، أكثر فانتازية من أي عالم خيالي قد يفكر فيه أي روائي".

وقال قسيمي: “إن روايته الجديدة تظهر عمق الهاوية التي تتربص بالجميع وسقطت فيها الجزائر “، ويضيف: “النص له طابع فانتازي تخيلي، حيث يصور كيف تختفي الأبواب من البيوت والمباني والمقرات الحكومية والسجون، وتنتفي الحواجز بين الداخل والخارج، لتسقط الآلهة في مأزق وضوح الرؤية لدى الشعب الغاشي”.

في لحظة اختارها الأرباب بعناية توقف عن الظهور، لتحل محله صورة كبيرة في إطار ذهبي، كانت تعلق في كل مكان يفترض أن يتواجد فيه، حتى ساد في اعتقاد الناس أنه منشغل بمشاكلهم إلى درجة أنه لم يعد بمقدوره الظهور، ثم حين بدأ الرجل الوسيم في نشرة الأخبار، يقرأ في كل ظهور له، رسالة أو بيانا للإله الرئيس، شعر الناس بطمأنينة كل مؤمن بحق، فحتى الله وهو الله، لم يظهر لأحد بوجهه، واكتفى لهداية الناس بما كان يرسل إليهم من رسل وأنبياء يحملون كلمته الطاهرة وكتبه المقدسة.

وفي النص يوكل الرجل الضئيل، القابع في مكان ما بين الظلمة والنور، إلى جمال حميدي الدميم، العنين والمشوه نفسيا، وهو عميد البوابين في البلد، أمر مواجهة الوضع، وسيحتاج إلى أن يغلق الأبواب التي فتحت في عقولهم أولا، ويوهمهم أنه يمتلك الحلول لمشاكلهم كافة، رغم أنهم اكتسبوا قدرة على التكيف، ولم يطل بهم الوقت حتى بدا لهم الأمر طبيعيا كما لو أنه كان كذلك منذ الأزل، ويبدأ في إيهامهم بأنه خرج من بين ظهرانيهم وبإمكانه أن يقودهم إلى الفكاك من السلطة التي تستعبدهم، وهي السلطة نفسها التي جعلته رئيسا عليهم.

وعبر السرد نكتشف أنه في “ترولار”، بالقرب من قصر الحكومة، تسكن أولغا، أو حورية، طليقة جمال حميدي، التي تزوجها عندما كان يعمل بوابا في وزارة الثقافة، وكانت تذهب إلى هناك باعتبارها شاعرة يحارب موهبتها الحظ والناس، ولدت سفاحا على إثر شهوة عابرة، وتولى تربيتها -بأمر من جدها- الرجل الضئيل إبراهيم بافولو المزابي اللامرئي، بينما في العمارة المقابلة لها يقطن روائي كان يكتب نصوصا ويمنحها لآخر ينشرها باسمه، ففي المدينة/الدولة كل شيء يتم تقمصه ببراعة وينال المجد دوما من لا يستحقه، قبل أن يقرر أن يكتب لنفسه، تتزامن روايته مع اختفاء الأبواب، ويؤثث فراغ الليل تحت شرفته قطة تظل تموء ولا يعرفها أحد، ومعها عصام كاشكاصي، أحد الناس اللامرئيين الذين لا عدد لهم، يقتات على ما يجده في القمامة، يلوح بيده للكاتب ليعطف عليه بسيجارة، وكل حلمه أن يعيش غده، بينما لا تلقي له أولغا بالا، ستلتقي الأقدار في الأخير، لتسقط المزيد من الأبواب، أبواب التاريخ الأسود لسلطة اغتصبت عرش سماء المدينة/الدولة، ويظهر أن الرجل ذا السلطة هو جد أولغا، وأن عصام كاشكاصي هو والدها، عاقبه أشد عقاب، حتى جعل الموت يعافه وهو يعيش بين المزابل معتقدا أن الأمل كل الأمل هو انتظار الغد.

سمير قسيمي كاتب جزائري من مواليد 1974. في رصيده تسعُ روايات، منها: "الحالم"، "يوم رائع للموت"، "هلابيل"، و"حب في خريف مائل"؛ حصد بها اعترافا تجاوز العالم العربي. يعدُّ واحداً من أبرز الأصوات العربية حضوراً في جيله. تُرجمت أعمالُه إلى اللُّغة الفرنسية، وتحصَّل على عددٍ مهمٍّ من الجوائز.

مريم. ع

 

من نفس القسم الثقافي