الثقافي
ركب سيدي الشيخ عادة ضاربة في التاريخ... ومناسبة لتذكر مناقب الولي الصالح
أصل تسمية ركب الأبيض سيدي الشيخ... وأهم مظاهر الاحتفال
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 28 جوان 2019
يعد ركب سيدي الشيخ مناسبة سنوية وعادة متجذرة لدى سكان ولاية البيض والولايات المجاورة لإحياء مناقب وخصال الولي الصالح "سيدي الشيخ" الذي يعد أحد رموز الولاية ومناسبة لإحياء تراث المنطقة والمحافظة عليه، وتشهد بلدية الأبيض سيدي الشيخ، التي تقع أقصى جنوب الولاية كل سنة، إحياء هذا "الركب" أو كما يطلق عليه أيضا "الوعدة" الذي انطلقت فعالياته نهاية الأسبوع، حيث يأتيها الزوار من داخل وخارج الوطن لإحياء هذه التظاهرة الضاربة في التاريخ تخليدا وتذكرا لمناقب الولي الصالح سيدي عبد القادر بن محمد بن سليمان بن أبي سماحة المولود بنواحي منطقة أربوات، وقيل بضواحي الشلالة بالبيض في عام 940 للهجرة الموافق ل1533 للميلاد والمتوفي1025هـ /1616 للميلاد والذي يطلق عليه لقب سيدي الشيخ والذي يعتبر مؤسس الطريقة الصوفية الشيخية، حسب المصادر التاريخية.
أبرز في هذا الصدد الأستاذ معزوز بوبكر، المختص في تاريخ وتراث المنطقة و الباحث في التصوف، أن سيدي الشيخ الذي يفتخر به سكان الأبيض سيدي الشيخ والبيض عموما، يعد أحد علماء التصوف فهو مؤسس الزاوية والطريقة الشيخية التي لها أتباع داخل وخارج الوطن، فقد كان خلال حياته مرجعا للراغبين في الاستـزادة مـن العلوم الدينية، و كان يأتيه الناس من كل مكان ليأخذوا من علمه وأخلاقه.
كما يعتبر سيدي الشيخ أحد رموز الجهاد والمقاومة الشعبية ضد الاستعمار الإسباني خلال الحملة الاستعمارية على منطقة وهران خلال القرنين 16 و 17للميلاد، أكما أشير اليه.
ولقد أكتسب هذا الولي الصالح الذي جمع بين الدين و العلم والجهاد والتصوف، مكانة كبيرة لدى أتباعه "فقد تحولت عادة زيارته في حياته إلى عرف بعد وفاته، فصار الناس من داخل وخارج الوطن يلتقون بمكان دفنه بمدينة الأبـيض سيدي الشيخ في كل سنة لإحياء مآثره التي عرف بها إلى جانب قراءة القرآن الكريم وختمه و ما تسمى "بالسلكة" وترديد الأوراد "الابتهالات" الدينية و إلقاء قصيدته الشعرية المعروفة ب"الياقوتة" من طرف مريدي هذه الطريقة.
كما يتم تنظيم محاضرات دينية وإطعام وإيواء الضيوف و الإصلاح بين المتخاصمين وإقامة استعراضات للفروسية وألعاب الفنتازيا وغيرها من المظاهر التي يعرفها هذا الركب المصنف ضمن التراث العالمي اللامادي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونيسكو منذ سنة 2013.
وترجع تسمية هذه التظاهرة "بالركب" أو "الوعدة " -حسب ذات المصدر-- إلى "أصل الوعد أو اللقاء أو التجمع وهو ما دأب عليه سكان منطقة " أستيتن " الواقعة حوالي 35 كيلومتر من الجنوب الشرقي للبيض في وقت مضى وهو الركوب على دوابهم والتوجه نحو منطقة الأبيض سيدي الشيخ لأحياء ذكرى وفاته حيث تشير المصادر التاريخية الى أن الولي الصالح سيدي الشيخ توفي لدى أهل أستيتن وذلك بعدما أصيب بجروح في احدى معاركه ضد الاستعمار الإسباني بالساحل الوهراني فنزل عند أهل قبيلة من قبائل منطقة أستيتن و توفي عندهم في شهر ربيع الأوّل من عام 1025للهجري وترك وصيته أن يدفن بالأبيض سيد الشيخ.
وقد سار موكب جنائزي كبير من أستيتن إلى الأبيض سيدي الشيخ استغرق ثلاثة أيام للوصول، إلى أن بلغ الموكب أو الركب منطقة الأبيض سيدي الشيخ التي دفن بها وسط حضور حوالي 350من طلبة العلم، علما أن هذه المنطقة قبل وفاة هذا الوالي الصالح كانت يطلق عليها فقط "الأبيض" لتسمى بعد وفاته بالأبيض سيدي الشيخ نسبة إليه".
كما تشير مصادر تاريخية أخرى إلى أن بداية هذا الركب جاءت نسبة إلى "قصة وقعت خلال حياة هذا الولي الصالح وهي ما تعرف لدى أهل المنطقة بقصة"الرجل المريض" وهو أحد الرجال من منطقة أستيتن والذي كانت له مكان لدى أهل المنطقة، وقد أصيب بمرض استعصى عليه علاجه، فلجأ إلى سيدي الشيخ في حياته متعهدا له لو شفي ليجعل "معروفا" سنويا لهذا الولي الصالح.
وبالفعل شفي ذلك الرجل ووفى بوعده وأصبح ركب سيدي الشيخ، لا طعم له إلاّ إذا جاءه سكان منطقة (أستيتن) أو ما يسمى بركب "ركب أستيتن" وهي السير على الدواب والتي كانت تأتي محملة بالأمتعة والهدايا، ويزورون هذا الولي الصالح كل سنة إكراما له وتواصلت هذه العادة حتى بعد وفاته وفقا للباحث معزوز أبوبكر.
يشهد هذا الركب الذي يحضره سنويا أكثر من 10آلاف زائر بحسب المنظمين عروضا للفروسية و الفنتازيا وألعاب البارود والتي تسمى لدى أهل المنطقة" بالعلفة" والتي يتفنن فيها فرسان يأتون من مختلف ولايات الوطن يتجاوز عددهم 400فارسا وهو ما يزيد من هذا الحدث تميزا.
كما أن ألعاب الفروسية هذه تكون مصحوبة بإلقاء مدائح للشعر الملحون يؤديها الفرسان تحكي تاريخ وتراث المنطقة وسط تجمع للزوار حول مضمار الفروسية المسمى بساحة "الفرعة" والتي تجاور الزاوية الشيخية وضريح الولي الصالح سيدي الشيخ.
وبرمج ضمن الحدث هذه السنة والذي اختتم فعاليته أمس محاضرات بفرع المركز الثقافي الإسلامي بالأبيض سيدي الشيخ حول "الجانب التاريخي والروحي للطريقة الشيخية وبعدها الجهادي وإبراز قيم التحرر فيها" من تأطير أساتذة جامعيين ومشايخ زوايا.