الثقافي

"بابيشة": عندما يختلط الديني بالإيديولوجي وبالسياسي

ينقل المشاهد من هنا ثم هناك لاحقا إلى فترة التسعينات الدموية

“بابيشة” الفيلم الجزائري “الفرنسي” البلجيكي الصاعد إلى مهرجان “كان”، ينقل المشاهد من هنا ثم هناك لاحقا إلى فترة التسعينات الحمراء الدموية، من خلال معاناة ومقاومة النساء، والشابات منهن في مواجهة التطرف الديني، الذي غزا كل الفضاءات، ومنها الأحياء الجامعية، والبطلات لسن سوى طالبات يتعرضن للعنف لفظا وكتابة على الجدران. العنف المصور في “بابيشة”، الفتاة التي تحب “التّبييش” بحكم رغبتها في أن تصبح مصممة أزياء، تنزل عليها صواعق التهديد بالتحجب أو القتل. موضوع من مواضيع تستهوي الإرهاب، لكن ضحاياه قليلة جدا مقارنة بالآلاف الذين قتلوا من فلاحات وقرويات لم يشفع لهن تحجبهن وهشاشة ظروفهن لدى القتلة. صورة نمطية تكرسها سينما ما وراء البحر لتضاف للجدل الكبير حول غطاء الرأس والنقاب… الخ.

لم تستسلم “البابيشة” بفضل المساندة من صديقاتها ومحيطها، وواصلت مشوارها ووجدت في الحايك الملجأ في الخروج من أزمة التغطية من عدمها. الحايك غطاء المرأة الجزائرية، الذي يسوق له بعدما كان لسنوات قبل بروز أي تطرف ديني، رمزا لتخلف المرأة ورجعية المجتمع، أصبح يوظف كحاجز أمام مد الحجاب والزي الوهابي الأفغاني. الحايك الذي يوصف بالجمال واحترام تقاليد المجتمع، والذي يبدي زينة للمرأة لم يكن بهذا الشكل، فلقد تطور كغيره من الأزياء وانفجر في الستينات ليواكب موضة اللباس عامة. ولكن قبلها لم تكن تظهر للمرأة غرة ولا ساق. كان يغطيها بإحكام، بإضافة ما يسمى بـ”العجار” أو نقاب. للتوضيح يطلق على العجار النقاب أيضا، بينما في الوقت الحالي أصبحت الكلمة مخيفة وبعبعا وتهدد الذوق الرفيع. وهذه نمطية أخرى تضاف لـ”البابيشة” لكن رغبة “بابيشات” الفيلم الحالمات على “السجادة الحمراء” في تكريس رؤية جمالية تقترب من الرؤية الاستشراقية والغربية يروج للفيلم بشكل كبير ويقولب الذوق والاستهلاك في هذا الاتجاه. يختلط الديني بالسياسي بالإيديولوجي ضمن زخم ثقافي باهت. والسينما بتوقيع المرأة تأليفا وإخراجا (مونيا مدور) وبطولة مطلقة (شيرين بوتلة، لينا خودري، أميرة هيلدا وناديا قاسي ومريم مجقان) مطلوب من جهات عديدة، من النخب الجزائرية لفك عقدة السينما ورؤيتها الذكورية، وإن لم يخرج فيلم بابيشة عن تصور الذكور لجسدها ولطموحها، ومن متابعين في الخارج ممن تشكل لهم مثل هذه المواضيع استفتاء داخليا يكرس توقعاتهم.

“بابيشة” لفظ ذكوري بين الفظاظة واللطافة يستعمله من لا شغل لهم سوى معاكسة الفتيات في الشارع. لفظ لا يعبر تماما على السياق العنيف للفيلم. هل كانت “البابيشات” لتبرز في “كان” لو أنتجت بمعايير وتقنيات جزائرية فقط ودون حرية حركة ولباس البطلات؟!

ف. س/ الوكالات

من نفس القسم الثقافي