الثقافي

السعيد قربع "القوال"... صندوق للموروث الشعبي

يحفظ الأمثال والحكم منذ أكثر من 4 عقود

يظل عبد الوهاب قربع أو "عمي السعيد" كما يناديه أهل منطقته متمسكا بإرث أجداده بمنطقة التلاغمة "جنوب ميلة" و يسعى لنقله للخلف القادم على غرار الفروسية و الفنتازيا والفولكلور وكذا التراث الشفهي كالحكمة والعبرة المأخوذة من "أقوال زمان" التي يحفظها "عمي السعيد" منذ أزيد من أربعة عقود.

و قد إمتهن "عمي السعيد" البالغ من العمر 70 عاما وهو أب ل9 أبناء ( 5 ذكور و4 بنات) الفلاحة وتحلى بصفات الفارس التي أخذها من والده المرحوم أحد أهم فرسان منطقة التلاغمة في وقته و لكن لم تتسن لقربع الذي يصف نفسه ب"الأمي" فرصة الدراسة إلا بكتاب القرية الصغيرة التي ولد بها وهي "دخلة بلوم" بالتلاغمة ليتحول منه مباشرة إلى الزراعة و رعي الغنم بإعتباره نشاط العائلة الأساسي.

و خلال سنوات السبعينيات وجدت هذه الشخصية لنفسها مخرجا من "روتين" الحياة البسيطة بعدما تسنى ل"عمي السعيد" التنقل مع والده بين القرى والمدن المجاورة للتلاغمة وحتى البعيدة عنها قاصدين مجالس الزوايا أو الأسواق والأفراح وقد وجد في ذلك كما صرح به ل"وأج" فرصة ل"تصيد كل ما هو جديد" بعيدا عن الحياة في قريته "دخلة بلوم".

و شيئا فشيئا بدأ الشاب السعيد الذي كان يحرص على عدم تفويت فرصة التنقل مع الوالد رصيدا لا بأس به من الأمثال والحكم والمقولات التي كان يسمعها من "القوالين" الذين إلتقى بهم في ترحاله ومنهم الحاج الجموعي من الدوسن ببسكرة والحاج صالح من العلمة بسطيف وغيرهما ليأخذ من أقوالهم التي حفظها عن طريق السماع فقط . 

و في سنوات الثمانينيات "تشجع، كما أفاد به، على إلقاء ما حفظه عند كل مناسبة يحظى بها سواء بالتلاغمة أوغيرها وهو ما قوبل بدعم من الوالد وكذا المستمعين "المنتبهين المنصتين له" مما زاد من تعلقه بما يفعل وحفزه أكثر على الحفظ وملئ جعبته بما وقع على مسامعه من حكم وعبر "نابعة من عمق أصالة وتراث الجزائر الذي يدعو دائما إلى التحلي بقيم التكافل والتآزر وحسن المعاملة"، ومما يحرص هذا "القوال" على ترديده أينما حل مقولة "الشاش" الذي يلتزم بإرتدائه حتى اليوم إلى جانب "القندورة البيضاء" التي تزيد من هيبته ما يجعل عبق الموروث و التقاليد يفوح منه ويتطرق في هذه المقولة إلى فوائد الشاش وطرق استعماله من أجل حماية و تغطية الرأس.

كما يردد أيضا " لحيا واعر" أو "الحياء صعب" التي يستهلها بعبارة "اسمع يا ابني" متبوعة بعدة نصائح وتوجيهات يدعو إلى الأخذ بها ومنها القناعة واحترام الغير وحسن المرافقة وغيرها.

و قد أضحى لهذا  "القوال" ذاع وصيت في منطقة التلاغمة وما جاورها فقلما يغيب "عمي السعيد" عن أي مناسبة -كما قال شريف أحد أبناء المنطقة- حيث أنه "لا يغيب عن أنشطة السهرات الرمضانية والمناسبات الرسمية واستقبال الوفود" و"إذا وجدت بالتلاغمة جمعا من الناس ملتفين وسمعت صوتا يصدح" فتأكد- يضيف ذات المتحدث- أن "عمي السعيد يلقي ما في جعبته من أقوال تشد الصغير قبل الكبير خصوصا مع طريقة إلقائه الواضحة رغم سرعة لفظه للكلمات".

و قد تعدت شهرة "عمي السعيد" في الوقت الراهن حدود ولاية ميلة والمناطق التي ينشط فيها إلى عديد الولايات الأخرى خصوصا بعد تداول مقاطع فيديو له عبر مواقع التواصل الاجتماعي بثها مواطنون إلتقوا به عبر صفحة جمعية "ناس البارود" التي إنضم إليها منذ سنوات "فأضاف لها الكثير" على حد تعبير رئيسها حميدة طالبي الذي أكد أنه "يتم العمل حاليا على جمع ما يحفظه قربع في كتيب لحمايته من الإندثار كون أن هذا يعد من صلب عمل الجمعية الرامي إلى حماية الموروث المحلي والعادات والتقاليد ."

من جهته أبرز الدكتور عبد الحميد بوشوشة من كلية الإعلام والاتصال بجامعة قسنطينة 3 بأن "للقوال دور مهم في المحافظة على الثقافة الشعبية الأصيلة كجزء من تراثنا وعاداتنا"،  كما أنه يدعم -إستنادا لنفس المصدر- "الروابط الاجتماعية بما ينشره في أقواله التي يرددها في حله و ترحاله مما يرسخ للقيم النبيلة التي تميز مجتمعنا".

وتطرق ذات الأستاذ إلى مكانة القوال التي لا تزال -حسبه- "متداولة في مجتمعنا الحالي رغم التطور الحاصل وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي"،  مؤكدا أن "ما تقدمه شخصية القوال على بساطتها باق لأنه نابع من أصالة وقيم الإرث الذي تنقله إلينا والذي وجب حفظه وحمايته".

من نفس القسم الثقافي