الثقافي

أوتو ديكس.. كوابيس الحرب العالمية الأولى

ظلّت تداعيات تلك المرحلة واضحة في رسوماته حتى منتصف عشرينات القرن الماضي

شكّلت الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918) منعطفاً في تطوّر الفن الأوروبي، حيثّ ولّد الخوف من العنف ومن السلطة المسوؤلة عنه الخلفية الأساسية وراء بروز حركات طليعية في مقّدمتها تيارات الواقعية السحرية والتعببرية الجديدة التي بدأت من ألمانيا تحديداً.

بدت تجربة الفنان الألماني أوتو ديكس (1891 – 1969) في هذا السياق مختلفة عن التيارين الأخيرين، حيث أراد أن يعيش الحرب نفسها كنوع متطرّف وغير عادي من الحياة والواقع ليعكسها في الفنّ، وهو الذي انتقل إلى الجبهة في فرنسا وهولندا وروسيا وراكم أعمالاً لم يعد يعرف أين يذهب بها.

ظلّت تداعيات تلك المرحلة واضحة في رسوماته حتى منتصف عشرينات القرن الماضي، والتي يحتضنها معرض يحتضنه "المتحف العمومي الوطني للفن الحديث والمعاصر" في الجزائر العاصمة منذ الثالث والعشرين من الشهر الماضي ويتواصل حتى الثلاثين من الشهر الجاري.

رسم ديكس أكثر من ستمئة عمل في تلك المرحلة صوّر تفاصيلها باللّونين الأسود والأبيض، ما عدا لوحتين بالألوان تعودان إلى عام 1923. وتُغطّي اللّوحات وأعمال الحفر المعروضة، بحسب تواريخ إنجازها، الفترة الممتدة حتى السنة التالية.

لا تخلو الأعمال من مسحة السخرية التي تبدو على وجوه بعض الشخصيات التي جسّدها الفنان في بورتريهات مثل "تاجر المباراة"، و"القاتل العاطفي"، و"نيومان"، و"الأعمى". غير أنّ محفورات أخرى تنخرط أكثر في طابعها المأساوي، سواء عبر مضامينها أو عناوينها، مثل "المأتم" و"المتراس"، و"جثة في الأسلاك الشائكة"، و"في المأوى".

لم تعكس الرسوم وقائع الحرب وعنفها فقط، بل نقلت حياة المجموعات الهامشية في المجتمع عقب انتهاء الحرب، مثل الجنود والمدنيين الذين أصيبوا بإعاقة من جرائها، وأحوال العاطلين عن العمل والفقراء والنساء اللواتي اضطررن للعمل في الدعارة، واستياء واحتجاج العديد من الناس.

بعد وصول النازيين إلى الحكم، بدأ أوتو ديكس يتعرّض لانتقادات الأجهزة الرسمية وصولاً إلى فصله من عمله كأستاذ في أكاديمية الفنون تحت ذرائع تلك المرحلة؛ حيث كانت السلطة ترى في هذه الأعمال إساءة للمجتمع وصورة الدولة، والتي لم تحتمل رؤيته الكابوسية تجاه تداعيات حرب ذهب ضحيتها الملايين.

مريم. ع

 

من نفس القسم الثقافي