الثقافي
"بلطجية" للتشويش على الحراك الشعبي أم نتيجة حتمية لتسيير القطاع الثقافي؟
زيارة غير متوقّعة إلى المتحف
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 24 مارس 2019
في الثامن من مارس الجاري، أي في ثالث جمعةٍ من المظاهرات المناهضة للسلطة الحاكمة في الجزائر، تعرَّض "المتحف الوطني للآثار القديمة والفنون الإسلامية"، وسط الجزائر العاصمة، لأعمال تخريبٍ مسّت عدداً من أجنحته؛ حيثُ نُهبت بعض مقتنياته، وأُحرِق عدد من مرافقه الإدارية وأُتلف بعض ما فيها من وثائق وسجلّات.
بُعيد الحادثة، أعلنت مصالح الأمن أن التدخُّل السريع لرجال الإطفاء حال دون امتداد ألسنة النيران إلى أجنحة العرض، مضيفةً أن التحقيقات متواصلةٌ للتعرّف على "الجناة المنحرفين الذين استغلّوا المسيرات السلمية، ليقوموا بجريمتهم النكراء في حقّ الموروث الثقافي الوطني".
وفي وقتٍ لاحق، قال وزير الثقافة، عز الدين ميهوبي، إنّ الحريق مسَّ جناح الفنون الإسلامية فقط، موضّحاً أنّ تحرّيات الأمن أفضت إلى استرجاع جميع المقتنيات المنهوبة، والتي تتمثّل في سيوفٍ وطبنجات (أسلحة نارية تقليدية) تعود إلى فترة المقاومة الشعبية ضدّ الاحتلال الفرنسي.
كانت الحادثةُ تكراراً لما حدث في الجمعة الأولى من الشهر الجاري؛ فبعد نهاية مسيرة حاشدة شارك فيها مئاتُ الآلاف من الجزائريّين دون وقوع أيّة انزلاقاتٍ، حدثت في نهاية اليوم أعمال شغب على مقربةٍ من "قصر المرادية" (مقرّ الرئاسة)، غير بعيدٍ عن مبنى التلفزيون الحكومي، وهو ما تكرّر أيضاً الجمعة الماضية.
وكما كان متوقّعاً، سارع التلفزيون الحكومي، وغيره من القنوات التلفزيونية المحسوبة على السلطة، إلى نقل تلك المشاهد، وهي التي لم تنقُل شيئاً من صور المظاهرات التي خرجت في العديد من المدن الجزائرية. وحينَ فعلت، عمدت إلى تحوير مطالب المحتجّين، معتبرةً أنهم يدعون إلى "إجراء إصلاحات".
قُرئ الاهتمام الإعلامي بتلك الأحداث على أنه محاولةٌ لتشويه صورة المظاهرات السلمية، في ظلّ تواتُر أخبار على مواقع التواصل الاجتماعي تزعم أنَّ أطرافاً تستأجر "بلطجية" للتشويش على الحراك. هكذا، سارع ناشطون إلى وضع جدولٍ زمني للمظاهرات؛ بحيث تنتهي عند الخامسة والنصف مساء، معتبرين أنَّ لا علاقة له بكلّ ما يحدث بعد ذلك.
ما دلالة الاعتداء على المتحف؟ وهل في الأمر حيلةٌ فعلاً، خصوصاً أن استهداف متحفٍ يُحدث صدىً واسعاً؟ سؤالان يُجيب عنهما الباحث والخبير في السياسات الثقافية عمّار كسّاب قائلاً: "تعرَّض الشباب لهيكل لا يظنّون أنَّ له أية أهمية اقتصادية أو تربوية أو اجتماعية. بالنسبة إليهم، هو رمز من رموز النظام وفقط. المتحف في الأصل مبنى مهجور، لا يمكنهم الدخول إليه لأن طريقة تسيير القطاع الثقافي في الجزائر عزلت المؤسّسات الثقافية عن المواطن، والأرجح أنَّ من دخل لتخريبه لم يدخل متحفاً من قبل".
يضيف في حديثه إلى "العربي الجديد": "لا توجد مؤامرة برأيي. وفي المقابل، علينا قراءة الدلالة السوسيوثقافية الكبيرة لهذا الفعل".
الوكالات