الثقافي
"أخذ الحقوق على محمل الجد": محاججة الدولة
يقودنا العمل إلى رحلة في العقل القضائي وطرق تفكيره
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 25 فيفري 2019
على خلاف العديد من فلاسفة السياسة والقانون الأميركيين، لم يصل رونالد دووركين (1931 - 2013) إلى العربية. للمصادفة، فإن أول عمل يُترجم له، "أخذ الحقوق على محمل الجد" (1977) هو أول مؤلّفاته، وقد نقله إلى العربية أستاذ الفلسفة السياسية في الجامعة التونسية منير الكشو، وصدر عن "المركز الوطني للترجمة" في تونس (2015).
قارئ العمل قد يفهم أسباب غياب مفكّر أساسي كدووركين عن العربية؛ إذ إن عدداً من القضايا والنقاشات التي يطرحها لا نجد لها تطبيقات عندنا.
هنا، تسعفنا المقدّمة التي وضعها المترجم، فعلاوة على أن الكتاب يفتح على مشهد نرى من خلاله كيف يفكّر العقل الأنغلوسكسوني في شؤون القانون، وبالتالي كيف ينظّم الحياة العامة، فإنه أيضاً - وباعتباره تفكيراً في "كيفية تحصين الحقوق فكرياً"- يتيح إضاءات على الأفق السياسي لبلدان عربية عدة دخلت مرحلة الانتقال الديمقراطي التي تحتاج إلى معرفة الأسس الفكرية والفلسفية التي استندت إليها التجارب الديمقراطية أثناء بنائها، إذ إن "ترسيخ حكم القانون وبناء دولة الحق مطلب عابر للثقافات" وهي عبارة للمفكّر الكندي ويل كاميلشكا يوردها المترجم في المقدّمة.هيكلياً، يبدو الكتاب مجموعة من المناقشات تقوم على فحص الحجج من جهة، ثم تقديم الحجج المضادة لها؛ إذ يشبه جملةً مفرداتها نظريات فلاسفة القانون الأميركان والإنجليز، مثل هارت وفولر وراتز وبنتام وغيرهم. في الأثناء، يقدّم الكاتب بناء منطقياً للمفاهيم التي يستعملها في حجاجه.
الفكرة الرئيسية لدووركين أن للناس حقوقاً أخلاقية يحاججون بها الدولة، هذه الحقوق بحسبه عابرة للأمكنة والعصور وتظل بذلك خارج نطاق سيطرة الدولة وتحكّمها، ولا يمكن أن تُختزل في القوانين التي تضعها، غير أن هذه الحقوق المطلقة تظل تنتظر التوضيب القانوني حتى تتحوّل إلى حقوق فعلية.
يدعو دووركين إلى أن يأخذ القضاة بالاعتبار في أحكامهم لا فقط القواعد القانونية، وإنما أيضاً المبادئ الأخلاقية العامة؛ مثل العدالة والحرية والمساواة في الاحترام والاعتبار، أي أن يتكوّن القانون ليس فقط من قواعد وإنما أيضاً من مبادئ.
وهذه المبادئ تسمح للقضاة بمجال تحرّك واضح ضمن سلطاتهم التقديرية. لدى الوصول إلى هذا المستوى من التفكير، يقودنا الكاتب إلى رحلة في العقل القضائي، وهو الذي يرى أن القاضي يتحوّل "إلى مؤلف في مشروع تأليف مشترك لرواية يقوم به عدد من المؤلفين وفق نظام العمل بالسلسلة".بهذه المنهجية، يرصد دووركين ميكانيزمات تطوّر القانون حيث يشير إلى أن "القضاة ينتهون بالاتفاق على أن القرارات السابقة تسهم في صوغ قواعد جديدة".