الثقافي

مارسيل يانيلي: مذكّرات من حرب الجزائر

يقدم شهادةً إضافيةً عن الثورة الجزائرية من وجهة مجنّدين فرنسيين مناهضين لحرب استهدفت شعباً

مع نهاية عام 1960 وبداية 1961، كانت حرب الجزائر على وشك أن تضع أوزارها، إذ بدأت المفاوضات بين الحكومة المؤقّتة للجمهورية الجزائرية والحكومة الفرنسية، بعد قرابة ستّ سنوات من اندلاع الثورة التحريرية (1954).

كان مارسيل يانيلي (1938)، حينها، في الثانية والعشرين من عمره. وكان أحد المجنّدين في الفيلق الفرنسي الذي يخوضُ حربه ضدّ الجزائريين على الأرض، بالموازاة مع المفاوضات الجارية في مدينة إيفيان السويسرية.

غير أن يانيلي، وهو مناضل يساري، كان أحد الرافضين لتلك الحرب، و"المتألّمين" بسببها. عبّر عن ذلك في يومياته التي كتبها بين تلك السنتين العصيبتين، مسجّلاً فيها انطباعاته ومشاهداته في الجزائر التي قضى فيها 14 شهراً.

صدرت المذكّرات في كتاب بعنوان "تألّمتُ للجزائر في عمر العشرين"، مع عنوان فرعي "مذكّرات مجنّد 1960 - 1961"، عن "دار هارتمان" في باريس، لتقدّم شهادةً إضافيةً عن الثورة الجزائرية من وجهة مجنّدين فرنسيين مناهضين لحرب استهدفت شعباً يناضل من أجل استرجاع سيادته.

بالنسبة إلى يانيلي، كانت تلك "الحرب خاسرة مسبقاً؛ إذ لا يمكننا القيام بأي شيء عندما يتعلّق الأمر بشعب صامد". يتساءل: "كيف يُمكن تجاهل مئات الآلاف من القتلى الجزائريين والجزائريات الذين ضحّوا بأنفسهم من أجل استقلال وطنهم".

لكن، ما الذي أتى بهذا المناضل الشيوعي إلى أتون حرب يعارضها؟ يجيب يانيلي في مذكّراته: "لم أذهب إلى هناك لأحارب، بل لتوعية زملائي بأن هذه الحرب لا علاقة لها بمصالح فرنسا".

يُضيف: "لقد حان الوقت بالنسبة إليّ، مثل الشباب الشيوعي أو المسيحي الآخر، ليس لرفض الذهاب، بل للالتقاء بالجنود الآخرين الذين كنتُ رفقتهم في الفيلق، للقيام بعملي كمناضل من أجل السلم في الجزائر".

يانيلي، الذي أبصر النور في عائلة من أصول إيطالية مكوّنة من ثمانية أفراد، أُرسل ضمن فيلق عملياتي مقاتل إلى الجزائر، غير أنه سجّل مواقف مناهضة للحرب. كتب عن محاكمة أعضاء "شبكة جونسون" و"نداء مجموعة 121"، قائلاً: هاتان القضيّتان تبرزان مأساة شعب بين الواجب وروح العدالة".

تتطرّق المذكّرات، أيضاً، إلى جرائم الجنود الفرنسيين في حق المدنيين العزّل، من اغتصاب وتعذيب ونهب؛ حيث عبّر كاتبها عن إدانته لها، مع الاعتراف بأنه لا يملك غير الإدانة، ويفتقر إلى القوّة لفعل أي شيء: "أعرب عن إدانتي وسخطي. هؤلاء لا يفهمونني، بل يبرّرون التعذيب".

إضافةً إلى المذكّرات، يضيء الكاتب على تفاعلات التاريخ الجزائري الفرنسي اليوم، حيث يتطرّق إلى "قانون 2005"، الذي سنّه البرلمان الفرنسي، لتمجيد الاستعمار، وإبراز "الدور الإيجابي" لفرنسا في مستعمراتها السابقة.

يقول في هذا السياق: "عار كبير أن تجرؤ أغلبية من نوّاب الجمعية الوطنية على المصادقة على قانون يؤكّد على ما أسموه دوراً إيجابياً لحضور فرنسا في مستعمراتها. إنه قانون يفرض الكذب الرسمي حول جرائم ومجازر وصلت حدّ الإبادة".

فريدة. س

من نفس القسم الثقافي