الثقافي

فايز الداية: هل يولد عصر دلالة عربي؟

يبرهن في بحثه على أصالة وحيوية علم الدلالة العربي

في كتابه الجديد "الأسلوبية الدلالية في الأدب العربي" (دار التكوين)، يواصل الباحث السوري فايز الداية اشتغاله على مشروع التأصيل لعلم دلالة عربي، مستكملا بذلك سنوات من البحث والتنقيب بدأت بكتابه "علم الدلالة العربي: النظرية والتطبيق" في العام 1985، وبضعة كتب أخرى تتناول البلاغة العربية.

منذ البداية، اتجه بحثه، وخاصة في الدلالة، إلى الاستفادة من ثقافات متنوعة على أن تكون أدوات بيد النقاد والمعنيين تعين على إضاءة الأصول العربية، وتنمية قدراتها في عصرنا الراهن. فأخذ ما يفيد وردّ ما يجافي ماهية لغتنا ومسارها التاريخي، حسب تعبيره، وهو أمر سار فيه مسار العلماء والفلاسفة العرب الذين تملكوا في الماضي البعيد ناصية العلوم فأغنوها برؤاهم وبالثقافة الأجنبية التي لم يأخذوها حرفياً، بل جعلوها تتميز بطابعها العربي.

بهذا النحو من الدراسة، منهجاً وغاية، قدّم البرهان على أصالة علم الدلالة العربي لدى الباحثين العرب، لغويين وفلاسفة وأصوليين وفقهاء ونقاد وأدباء (بين القرنين الثالث والخامس الهجريين)، بأن درس معالم هذا العلم كما يدرسه علماء اللغات الفرنسية والانكليزية والألمانية المعاصرون، وفتش عما يقابل هذه المعالم في الكتابات العربية، فوجد أعمالا أصيلة ودقيقة نظمها وأعطاها نسقاً له تكامله، فحصل على بنيان متماسك قادر على النماء والتفاعل في مجالات العلم والأدب والحياة العامة.في كتابه الجديد، يتابع الداية الدلالة في منحنيات الخطاب الفني، وتجلي طاقاتها التعبيرية في الأنواع الأدبية، الغنائية والسردية والدرامية، كاشفاً عن فاعليتها في التعبير عن التجربة الإبداعية، وكيفية توصيلها إلى المتلقي.

ومثلما فعل في كتاباته الأولى، يعود هنا إلى استخدام أدوات المنهج الأسلوبي الدلالي المعاصر، فيصوغ بعض مصطلحاته ويستقدم بعضاً آخر من الثقافات الأجنبية. ولا يغيب التراث عن بحثه، فنجد لديه حضوراً بارزاً للجرجاني وحازم القرطاجني وعدد آخر من العلماء العرب، ويشكل هذا الحضور المتزامن مع حضور الدلائليين الغربيين منهجاً جديداً بالذهاب والإياب بين النصوص الأدبية والسياقات التاريخية والمفاهيم والإجراءات الأسلوبية والدلالية المختلفة.

يوازن الباحث بين العرض النظري والتناول التطبيقي الموسع لنصوص أدبية عربية حداثية لأدباء وشعراء يمثلون بيئات وأجيالا متعددة، بالإضافة إلى تطبيقات على النص التراثي. والهدف بالطبع هو تقديم منافذ إلى مسارات نحو دراسات نقدية أسلوبية تثري الساحة العربية أدبياً وفكرياً، وتضيء أمام القراء النصوص الأدبية من شعر وقصة ورواية ومسرحية.

يحقّق الداية مبتغاه بوساطة ثلاثة فصول مكثفة، يدرس أولها الآفاق النظرية والدوائر الدلالية، أو السيمانتيكية حسب التعبير المستعار الأكثر شيوعاً بين الأكاديميين العرب، فيقدم رؤية نقدية مجدَّدة لا تترسم مناهج نقدية سابقة، بل تفضّل التأسيس النظري للإطار الأسلوبي الدلالي، ومراحل نمو المنهج الدلالي مع دراسة تحليلية للمصطلح الدلالي، بوساطة منظومة اصطلاحية من مفرداتها؛ الدلالة والمفتاح والسياق والحقل الدلالي، والومضة الدلالية، والرسالة والتلقي، والإيحاء، والدلالة الموسيقية والتركيب اللغوي.

ويدرس في فصل ثان موضوعة الكتاب، ثيمته الأساسية، ويطبقها على الشعرية العربية القديمة والمعاصرة، فيأخذ تحت عنوان "ديوان ودلالة" أبي فراس الحمداني ونازك الملائكة، وعبد الله البردوني.. وآخرين، ويتناول تحت عنوان "قصيدة ودلالة" قصائد لآخرين. ويخصص الفصل الثالث للأسلوبية الدلالية في السرد القصصي والدرامي، ويطبّقها على أعمال كتاب مسرح عرب معاصرين مع تقديم لمحات مقارنة مع المسرح الغربي.

من نفس القسم الثقافي