الثقافي
"مدرسة شيكاغو": رحلة السوسيولوجيا إلى العالم الجديد
تكمن أصالة هذه "المدرسة" في انبثاقها من أحضان المؤسسة الجامعية الأميركية الفتية آنذاك
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 18 فيفري 2019
في أوروبا، كانت نشأة السوسيولوجيا كعلم مستقل في القرن التاسع عشر مع الرواد الأوائل، خصوصاً الفرنسي إميل دوركهايم (1858-1917)، والألماني ماكس فيبر (1864-1920). لكن هذا العلم الذي سماه الفيلسوف أوغست كونت (1798-1857) في بداياته بـ"الفيزياء الاجتماعية"؛ هو ابن الحراك الاجتماعي، لذلك سيعرف نشأة جديدة على الضفة الأخرى من المحيط الأطلسي.
ستترسخ السوسيولوجيا في الولايات المتحدة الأميركية مع مطلع القرن العشرين كعلم مستقل له أساتذته وشُعبه والتمويل الخاص لأبحاثه، وذلك لأول مرة في التاريخ وفي جامعة شيكاغو بالضبط.
في كتابه "مدرسة شيكاغو ونشأة سوسيولوجيا التحضّر والهجرة"، الصادر في طبعته الأولى بداية هذا العام عن "دار أفريقيا الشرق" في الرباط، يحاول الأكاديمي المغربي عبد الرحمن المالكي، في أربعة أقسام ومقدمة، تقريب القارئ العربي والمتخصّص في علم الاجتماع، تحديداً من الظروف العامة التي ساهمت في بناء اتجاه خاص في علم الاجتماع؛ وهو سوسيولوجيا التحضّر والهجرة، الذي وَسَم متن المشتغلين بعلم الاجتماع في "جامعة شيكاغو" الأميركية، والتي أطلقت عليها تسمية "المدرسة" أسوة بمدرسة فرانكفورت الألمانية.
تكمن أصالة هذه "المدرسة" في انبثاقها من أحضان المؤسسة الجامعية الأميركية الفتية آنذاك، ورسمها لموضوع خاص في البحث؛ وعلم الاجتماع الحضري مثال ساطع على ذلك، لأن مختلف مؤرّخي السوسيولوجيا يجمعون على أن الفضل في نشأته يعود إلى "مدرسة شيكاغو". لكن هذا لا يعني - بحسب المؤلف - أنها انفصلت عن أعمال الفكر السوسيولوجي الأوروبي الحضري.إن كل رائد من الروّاد الأوائل لعلم الاجتماع (إميل دوركهايم، ماكس فيبر، جورج زمل)، اهتم بظاهرة المدينة وحاول تناولها انطلاقاً من زاوية النظر الخاصة به، خصوصاً بعد المشاكل الناجمة عن الثورة الحضرية التي عرفتها أوروبا آنذاك.
دوركهايم، كما يتضح من خلال كتاباته كلها، كان متشبّعاً كمعظم فلاسفة ومفكري عصره بفكرة "التقدّم" خصوصاً في أطروحته "تقسيم العمل الاجتماعي". في هذا الكتاب، التقى دوركهايم بمسألة كيفية احتلال الإنسان للمجال وتغييره وسيرورة خلقه للمدينة، وذلك من خلال سعيه لتفسير عملية الانتقال من مجتمعات التضامن الآلي إلى مجتمعات التضامن العضوي.
مسألة الانتقال هذه عند صاحب "قواعد المنهج في علم الاجتماع"، ستشكّل بالنسبة لعلماء الاجتماع الذين سيهتمون بالمجتمعَين القروي والحضري الأساس الذي سينطلقون منه لوضع مختلف النظريات الثنائية التي تُسمّى عند بعض العلماء نظرية السمات وعند البعض الآخر نظرية المتصل الريفي-الحضري.