الثقافي

كافكا وبيسوا وبافيزي: زواج الكتابة والعزلة

القاعدة البطولية الوحيدة هي في القدرة على البقاء وحيداً

إذا كان الفيلسوف الألماني شوبنهاور يوصف بأنه "لم يُخلص يوماً إلّا للعزوبية والجيش الألماني"، فإنّه ليس وحده، فهناك من الكتّاب أيضاً من لم يخلص إلّا للعزوبيّة والكتابة.

من هنا اختار الباحث الأرجنتيني لويس غروس التنقيب في يوميات ورسائل كل من فرانز كافكا (1883- 1924) وفرناندو بيسوا (1888 - 1935) وسيزار بافيزي (1908- 1950) كنماذج لكتّاب عاشوا انعزالاتهم الاجتماعية والعاطفية، ليضع كتابه المعنون "ما لا يدرك" والصادر حديثاً بترجمة زينب بنيانة عن مشروع "كلمة".

يسعى غروس إلى فهم أسباب هذا الإخلاص للعزلة، وعدم قدرة الكتّاب الثلاثة على تكوين أسرة وإنجاب أطفال، وأيضاً العجز عن المحافظة على علاقات عاطفيّة طويلة. يستند غروس إلى فرويد ولاكان في تفسيره لتمظهرات الرغبة والعاطفة عند كافكا وبيسوا وبافيزي، ويقول إن ما قاد خطواته إلى إنجاز هذا العمل هو: "تفاؤل الإرادة لغرامشي، والحس المتمرد والعبثي لكامو، والمفهوم السارتري الذي يفيد بأن الوجود يسبق الجوهر".يرى غروس أن كافكا "بحث في العالم الأنثوي عن قوة موازية للفحولة الأبوية المستبدة" التي فرضها والده هيرمان، في حين نشأ بيسوا بعيداً عن والدته؛ الظرف الذي يقود "إلى التساؤل حول آثاره المحتملة في انحباس الشعور لديه، والذي سيمنح أعماله لاحقاً نبرة خاصة: تجريد في الأحاسيس والانطباعات، امتلاء فارغ، غياب عن الذات وعن العالم، وأسلوب يتراوح بين الغموض والصفاء".

يفصّل الباحث طويلاً في كيفية التعامل مع رسائل العشق لكل من الثلاثة ويومياتهم الحميمة: هل يمكن اعتبار هذه المواد التي كتبت أحياناً كثيرة من دون عناية بالأسلوب جزءاً من النتاج الأدبي؟ هل تصلح قراءتها للتوثيق التاريخي؟ هل تضيف شيئاً مفيداً للنقّاد والباحثين؟ أم أن الأمر يتعلق بجنس ثانوي بتعبير الألسنيين، الذين صنفوا هذا النوع في إطار "أدب الأقليات" الملتبس أو الأدب الهامشيّ؟ لـ غروس رأي آخر، إذ يعتبر الهدف من أدب اليوميات والرسائل قول شيء ما لشخص ما، أو "استخدام الآخر كوسيط لحوار ذاتي لا متناه".

يطيل الباحث في شرح الأنثى من جانب تفكير الذكر معتمداً مرة أخرى على فرويد ولاكان، قبل أن يدخل إلى كافكا "الذي كان يهتم طيلة الوقت "بتذكير نسائه بأن الأدب هو الشيء الوحيد الذي يهمّه حقاً".بالنسبة إلى بيسوا فقد عاش ازوداجية الشخصيّة وبوادر مثلية لم يتجاوب كثيراً معها، وإنكاراً ظاهرياً للحب والانقياد خلف نوبات إيروتيكية، أو التعبير عن كراهية النساء باسم مستعار هو "سواريس".

العري الجسدي موضوع يتكرر باستمرار في أعمال بافيزي، يرجعه غروس إلى "استعارة من المراهقة المثالية والشهوانية والحيوانية"، كما في رواية "الشيطان من التلال" والمرأة بشكل عام في روايات الكاتب الإيطالي "ثروة محكوم عليه بأن يضيعها"، وأن استحالة الحصول على الحب أو إلى التواصل ستقوده إلى أن "القاعدة البطولية الوحيدة هي البقاء وحيداً"، يقول في "مهنة العيش".

من نفس القسم الثقافي