الثقافي
سعيد خطيبي: دفاتر العودة إلى إيزابيل إيبرهارت
نلتقي بشخصيات حقيقية أخرى؛ مثل الرسّام إيتيان ديني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 09 فيفري 2019
• تغطّي الرواية أربعين عاماً من تاريخ الجزائر الحديث
ينطلق الكاتب الجزائري، سعيد خطيبي (1984) في روايته "أربعون عاماً في انتظار إيزابيل"، الصادرة عن "منشورات ضفاف" و"الاختلاف"، من سيرة الكاتبة والرحّالة السويسرية إيزابيل إيبرهارت (1904 -1877) وينتهي إليها. بين النقطتين تتشعّب الأحداث والشخصيات التي تمزج بين الماضي والحاضر.
منذ البداية، نلاحظ صلة وثيقة بين إيزابيل إيبرهارت وجوزيف رينشار، بطل الرواية الذي يكتشف مخطوطاً لها، عثر عليه، بعد مرور أكثر من أربعين عاماً على رحيلها التراجيدي، في بيت موظّف سابق في "دار البلدية" في مدينة بوسعادة، جنوبي الجزائر، حيث أقامت على فترات متقطّعة. وفيه تكشف عن جزء معتم من يومياتها الصاخبة.
يعيد جوزيف ترتيب أوراق المخطوط الذي قايضه بمروحة كهربائية، ثمّ يشرع في تحويل ستّة فصول منه إلى ستّ لوحات تشكيلية. ومع رسم الفصلين الأخيرين، تحدث تحوّلات طارئة في حياته.
يتخيّل البطل/ الراوي، وهو فنان وجنديّ شارك في الحرب العالمية الثانية، ثم في ثورة الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي، حياةً ثانية للكاتبة والرحالة السويسرية، فيبعثها من مرقدها الصحراوي وينقلها إلى أزمنة معاصرة؛ إذ يرافقه شبحها إلى غاية 1992، السنة التي مهّدت لدخول الجزائر في العشرية السوداء. من هنا، تطرح الرواية واحداً من الأسئلة الأكثر حرجاً، وتحاول الإجابة عليه: كيف وصلت الجزائر إلى ما وصلت إليه من عنف دموي في التسعينيات؟
من خلال إعادة قراءة أعمال إيبرهارت، من يوميات وقصص، يتّضح أن هناك خيطاً ضائعاً في سيرتها، فنصوصها التي وصلتنا جاءت مفكّكة، وقد انتُشل أبرز مخطوطاتها التي كتبتها في أواخر حياتها من ركام الوحل، عقب فيضان "وادي العين الصفراء"، جنوب غرب الجزائر، قريباً من الحدود مع المغرب، الذي أودى بحياتها، ما دفع باحثين إلى محاولة ترتيب المخطوطات واسترجاعها، بعد أن طُمس ومُحي بعضها بفعل الفيضان. لكن المخطوط "الأهم"، والذي يجيب على أسئلة مختلَف حولها، بقي ضائعاً، وهو ما سيشكّل مبحث بطل الرواية لإعادة تشكيل سيرة الكاتبة الحقيقية.
في حديثه إلى "العربي الجديد"، يقول خطيبي: "وُلدت فكرة الرواية من اهتمامي بحياة وأعمال إيبرهارت التي تعرّفت على اسمها، لأول مرّة، في سن العشرين، كانت جزءاً من المرويات الشفوية في المدينة الجنوبية التي وُلدت وكبرت فيها، والتي عاشت فيها ردحاً من الزمن. كان الناس هناك يلقّبونها بـ "الرومية"، أي الأجنبية، رغم اعتناقها الإسلام، وتغيير اسمها إلى سي محمود. قيل عنها تارة إنها كانت امرأة ثورية ناصرت قضايا الشعب المسحوقة وتارة أخرى بأنها مثلية الجنس".
عن أهمية العودة إلى هذه الشخصية الأدبية والتاريخية، يضيف خطيبي أنها "تأتي من أصالة واستثنائية حياتها وكتاباتها وتيهها في صحراء الجزائر، وقبلها في تونس. ثم على الحدود مع المغرب".
في الرواية شخصيات حقيقية أخرى، مثل الكاتب والرسّام الفرنسي إيتيان ديني (1861 – 1929)، الذي عاش في بوسعادة أيضاً؛ حيث اعتنق الإسلام وصار اسمه نصر الدين دينيه. إذ يقدّم الراوي ما يشبه معارضةً لروايته الشهيرة: "خضرة، راقصة أولاد نائل"، إلى جانب الرسّام مكسيم نواري، عشيق إيبرهارت، الذي أهدته أحد نصوصها، وأيضاً أحد أحفاد الأمير عبد القادر، الذي خدم في الجيش الفرنسي الاستعماري ثم مات في دمشق، كما نجد شخصية امرأة لا يذكرها التاريخ، كانت ترأس مشيخة طريقة صوفية في الجزائر في نهاية القرن التاسع عشر. "هي المرأة الوحيدة في العالم الإسلامي التي حكمت طريقة صوفية، وكانت ترتبط بعلاقة حميمة مع إيبرهارت"، وفق تعبير الكاتب.
كما في روايته الأولى "كتاب الخطايا" (2013)، التي تناولت "الربيع الأمازيغي" من خلال يوميات فتاة في الجزائر العاصمة، يعود خطيبي، في عمله الروائي الثاني، إلى مساءلة الماضي لقراءة الحاضر. يقول: "في هذا العمل، حاولت هدم تلك الميثيولوجيا التي تتوهّم أن الجزائري أعلى شأناً من غيره. بات علينا أن نعيد مساءلة الماضي، وأن نتخلّى عن الأساطير التي زرعتها الدولة الوطنية في عقولنا".
تغطّي الرواية فترة تمتد إلى أربعين عاماً: من 1952 إلى 1992. ولإعادة تشكيل تلك المرحلة، كان على الروائي، على ما يبدو، استعادة شخصيات حقيقية ووضعها وجهاً لوجه أمام أخرى متخيَّلة، لترسم إرهاصات ثورة بلد أوشكت أن تنحرف عن مسارها، إلى خيبة استقلال لم يلبّ طموح شعب ينشد الحرية، وانتهاءً بفشل بناء دولة وطنية، وصولاً إلى العشرية السوداء التي عاشها بطل الرواية في ظلّ صراع داخلي، بين أن يبقى في الجزائر التي حارب من أجلها، أو يعود إلى فرنسا التي حارب ضدّها.
يتشكّل العمل من مجموعة حكايات تحيل كل واحدة منها إلى أخرى. كلّ ذلك وفق أبعاد متوازية: التاريخي الذي يتجلّى في التدقيق الواضح للمراحل التاريخية، والنفسي الذي يتجلّى في تعدّد الحالات النفسية المتضاربة التي استوطنت تفكير الراوي، خصوصاً وهو يتعرّض إلى ضغط من طرف جماعات متشدّدة، أو يعايش جريمة قتل جارته.
يُضفي الكاتب على روايته مسحة من السخرية التي تمتزج بتشاؤم يكاد أن يتحوّل إلى عبثية شبيهة بحياة الكاتبة والرحّالة السويسرية: "قدري كان سيتقاطع مع قدر إيزابيل، لو عاشت معي الآن في هذا الشهر من جانفي، الذي تحوّل إلى أطول شهر من حياتي المتمرّغة في جمر الانتظار"، يقول جوزيف رينشار في الرواية.
مريم. ع/الوكالات