الثقافي

"ذهول ورعدة": انحدار الموظّفة الأوروبية

تكشف عن إرث من التعصّب والتجهّم في وجه الغرباء

متجسّداً بشكل مصغَّر في الشركة اليابانية التي تعمل فيها، تصطدم شابة بلجيكية، بشكل عنيف، بالوجه الآخر لليابان، لتكشف عن إرث من التعصّب والتجهّم في وجه الغرباء. من هنا تبدأ تشعّبات رواية الكاتبة إميلي نوتومب (1966) التي صدرت مؤخّراً بعنوان "ذهول ورعدة" عن دار "مسيكلياني" في تونس، بترجمة أبو بكر العيّادي.

في هذا العمل القاتم رغم حس الفكاهة الذي يسيطر عليه، والذي صدر لأوّل مرّة عام 1999، تضعنا صاحبة "لا حوّاء ولا آدم"، والتي تُرجمت بعنوان "خطيب طوكيو"، في أجواء توحي أننا أمام جزء من سيرتها الذاتية، أو أمام قطعة من الـ "أوتوفكشن"؛ فنوتومب، هي ابنة الديبلوماسي البلجيكي الذي كان يعمل في اليابان، والتي أتقنت اللغة اليابانية في سنوات عمرها الأولى، وظنّت أن إتقانها اللغة سيكون سلّماً للترقي الوظيفي، واصطدمت بالواقع الياباني الذي اعتبر ذلك إهانةً للغة اليابانية وأهلها، وحالَ دون نجاح محاولاتها في الاندماج.

تسمّي الكاتبة الشخصية الأساسية باسمها، إميلي، وتنجح في جعل مكان واحد، هو الشركة التي تعمل فيها الشخصية، مسرحاً لأحداث الرواية بأكملها، وكأن البطلة لم تكن تفعل أي شيء خلال هذا العام سوى العمل في "يوميموتو" اليابانية. ومع ذلك، لا يشعر القارئ بالملل، أو بالرغبة في التلصّص على حياتها خارج هذا المكان.

إميلي في هذه الشركة معرّضة دائماً إلى الفشل في كل الاختبارات التي وضعها فيها رؤساؤها. وفي كل مرّة تُعاقب بانحدار جديد في السلّم الوظيفي. ولدى تأمّل الحالة النادرة لهذا الفشل المتكرّر، فإننا نجد أن الموظفة كانت توضَع عمداً في مكان لن تُفلح فيه، وفي المرّة الوحيدة التي سُمح لها بعمل تقرير عن مشروع جديد بين بلجيكا واليابان، نجحت بشكل كبير، لكن النجاح لم يُنسب إليها، لأن النظام في هرم العمل الياباني مقدّس ولا يمكن القفز عليه أو تجاوزه.

ثمّة علاقة وظيفية أخرى ملتبسة بين الشخصية ومديرتها المباشرة، فوبوكي موري، والتي تعتبر سبباً مباشراً لكل انحدارات إميلي الوظيفية خلال العام. موري، المديرة الشابّة التي اجتهدت سنوات قبل أن تصل إلى منصبها، في بلد مثل اليابان، لا تحصل فيه المرأة على فرص كثيرة، لم تحتمل أن تنافسها شابّة قد تصل إلى مكانها، لذلك راحت تحطّ من قدرها وتهينها كل يوم بشكل مختلف، وظهر الصراع الدائر بين الفتاتين في المونولوغ الداخلي عند إميلي، وفي تصرّفات موري التي تتعمّد إهانه الموظّفة الأوروبية من دون خرق للنظام.

من نفس القسم الثقافي