الثقافي

"المروحة"... شاهدة على حوادث تاريخية مهيبة

استغلتها فرنسا لاحتلال الجزائر 130 سنة

قد يدرك البعض أن المروحة التي نلجأ إليها لجلب الهواء أيام الصيف مجرد شفرات تحركه بشكل دائري، وإنما في الواقع استعادة لتاريخ من الفن والثقافة والإبداع والعديد من الحوادث التاريخية الفاصلة في حياة أمم. 

من الطبيعي أن نكون دائماً في أشد الحاجة إلى المروحة، فمنذ القدم استخدمت في التهوية وإضرام النار والوقاية من أشعة الشمس المحرقة. وتعود أقدم مروحة يدوية في العالم إلى الحضارة الصينية واكتشفت واحدة مصنوعة من القماش عام 1982 يعود تاريخها إلى أكثر من 2300 عام.

وصنعت المروحة من ريش الطيور لأنها تشبه أجنحتها وهي محلقة في الهواء. ولم تكن أداة يومية تنفرد بها الصين فقط، فقد اكتشفت قديماً مراوح في بلاد الإغريق والرومان ومصر القديمة، ويعود تاريخ المروحة الطواية التي نستخدمها الآن إلى عصر أسرة "سونج" من القرن الثامن الميلادي عندما تم جلبها من اليابان، لذا فهي تسمى أيضاً المروحة اليابانية، تم تقليدها في الصين حتى تولدت أشكال جديدة من ذلك الشكل الياباني القديم، وبعد ظهور النوع الكهربائي وأجهزة التكييف، تجاهل الناس المروحة اليدوية.

استخدمت المروحة لتغطية الوجه للتعبير عن دلال الأنثى، وأطلق عليها أسماء مثل الوجه الحسن والوجه الحاجز. وكانت أيضاً جسراً من جسور الصداقة بين الناس، حيث أوصى الملك لي شه مين أولاده وأحفاده والمعلمين من أسرة يانج الصينية بإهداء الملوك المراوح لتكون وسيلة جيدة لجلب الرياح المنعشة.

كما تسببت المروحة في حوادث تاريخية مهيبة أشهرها الحادثة التي كانت شرارة البداية التي استغلتها فرنسا لاحتلال الجزائر 130 سنة. وكان من التقاليد السياسية قيام قناصل الدول الأجنبية بزيارة الباشا العثماني الداي حسين في المناسبات المهمة، وفي عيد الفطر عام 1827 كان القنصل الفرنسي دوفال حاضرًا، ودار حديث بينه وبين الباشا حول الديون المستحقة للجزائر لدى فرنسا عندما ساعدت الجزائر فرنسا أثناء حصار الدول لها بسبب إعلانها الثورة الفرنسية، حيث رد القنصل بشكل غير لائق، فأمره الباشا بالخروج ولكنه لم يخرج وتعنت، فما كان من الباشا إلا أن يلوح بمروحته اليدوية على وجه القنصل، وقيل إنه ضربه بها على وجهه، وهو ما عرف لاحقاً بحادثة المروحة، فكتب القنصل لبلده بما حدث، وضخّم الحدث فاتخذت فرنسا هذا ذريعة للاحتلال. 

فعلى الرغم من وجود أسباب حقيقية لاحتلال الجزائر بسبب عزلة فرنسا في أوروبا، إلا أن شارل العاشر أرسل إحدى قطع الأسطول الفرنسي للجزائر، وجاء قبطانها إلى الباشا وعرض عليه خيارات للاعتذار إلى القنصل بسبب تلك الحادثة، ولكن لم يقبل الباشا كل الخيارات، فحاصر الفرنسيون الجزائر في 1828 وانتهى الأمر بالاحتلال.

ف. س

من نفس القسم الثقافي