الثقافي

همام السيد.. كانئات تلهو رغم ثقل الواقع

لم يستطع التخلّص من شعور قض مضجعه طوال ستّة أسابيع

قرأ الرسالة ثم وضع هاتفه جانباً. تقول إنها لن تأتي لرؤيته الليلة. ممتاز. البطولة غداً وهو يحتاج كل ما يملك من طاقة. ستة أسابيع شاقة مرّت منذ أن اقترح بخجل على الكابتن أن يُشركه في البطولة ليكتشف أن اسمه قد أُرسل للمنظمين دون علمه. ملأ طنجرة صغيرة بالماء ووضعها على النار، ثم شق عبوة واقي الأسنان وقرأ التعليمات المرفقة.

نظر إلى الماء الذي بدأ سطحه يهتزّ وفكّر مرة أخرى في السيناريوهات المحتملة. من الممكن أن يلاقي ضبعاً آخر يمسح به الأرض على الملأ، أو أن يتلقى لكمة في الجولة الأولى تُفقده الوعي، أو – وهو الأمر الأسوأ – أن تخذله أعصابه فينسحب.

سمع صوت الماء يغلي فأزاحه عن النار ثم أسقط فيه واقِي الأسنان وعيّر دقيقة على ساعته. ملأ وعاء آخر بماء بارد وتناول مِغرفاً وعاد ينظر إلى الساعة. عند تمام الدقيقة، أخرج الواقي من الماء المغلي ثم غمره في الماء البارد لثانية واحدة، ثم وضعه في فمه وعضّ عليه. شعر به ساخناً طريّاً يغمر أسنانه العلوية من كل الجهات، لا طعم له ولا رائحة. عضّ عليه وضغط بأصابعه على شفته العليا ليُحكم الواقي على أسنانه ولثّته، بينما دفع بلسانه بقوة ليلتصق الواقي بلثته وأسنانه من الداخل. عدّ ثلاثين ثانية ثم أخرجه من فمه. نظر إليه مشوّهاً آخذاً شكل طواحينه وطعنات أسنانه المنتظمة بعمق متفاوت. أعاده إلى الماء البارد ثم وضعه على المنضدة.عادَ إلى غرفته ونظر إلى الأغراض التي ستلزمه. زوجان من لفافات الأيدي، شورت، جوارب طويلة، حذاء ملاكمة بعنق طويل، واقي رأس، قلم ودفتر صغير وعبوة فازلين.

وضعها كلها بترتيب في حقيبة الرياضة التي استخدمها سابقاً لمعدات كرة القدم والنادي. جلس عارياً على سريره وأخذ يفكّر في ما قاله الكابتن، إنه سريع خفيف الحركة بالنسبة لحجمه ووزنه، إن طول ذراعيه ميزة هامة، إنه يتعلم بسرعة ويستخدم عقله داخل الحلبة، وأخيراً، والأهم من ذلك كله، إن له قلب مقاتل. حاول سائد استجماع كل المرات التي أبلى فيها بلاء حسناً خلال الأسابيع الست الماضية، وذكّر نفسه بكل ما عرفه عن نفسه من قوة وسرعة وحِنكَةٍ، سواء في الحلبة أو خارجها. لكنه مهما حاول، لم يستطع التخلص من شعور قض مضجعه طوال الأسابيع الستة السابقة وازدادت حدته باقتراب موعد البطولة، وهو أنه مرعوب.

نظر إلى مُسجّله وهم بتشغيله ولكنه تراجع. فتح الحقيبة وتناول قفازيه ثم وقف ورفع قبضتيه أمام وجهه وأخذ خطوتين تقودهما يساره نحو المرآة. وجد وجهه متوارياً وراء قفازيه لا يظهر منه إلا عيناه والشق في حاجبه وجبينه. تذكر ما قاله الكابتن عن ضرورة إبقاء ذقنه مخبوءاً. خفض ذقنه على رقبته ووجد أن ملامحه أصبحت أكثر عدوانية. عليه أن يتذكر أن يفعل ذلك في الحلبة. نظر إلى جسده الذي ظهرت فيه خطوط لم يلحظها من قبل. رمى ببطء يساراً ثم يميناً ثم يساراً جانبية وحاول تخيّل وقعها على خصمه. تخيّل أن خصمه تفاداها جميعاً وردّ عليه بصاعدة أصابته. ارتبك ثم ضم كوعيه ليغلق الفجوة المؤدية إلى ذقنه.

عاد وجلس على السرير ورمى القفازين في الحقيبة. توجّه إلى الثلاجة والتقط الواقي الذي أخذ شكل فكّه وأسنانه فأصبح عريضاً لا يسع في عبوته، ثم عاد إلى الغرفة. أخرج الواقي القديم من الحقيبة ورماه خلف ظهره ثم جرّب الجديد. شعر به يلبس أسنانه وقد أخذ شكلها دون أي فراغات على عكس سابقه الذي أعدّه على عجل بعد زيارته الأولى للنادي. نظر إلى المرآة ولاحظ شفته العليا بارزة يظهر من تحتها الواقي الأسودَ. خفض ذقنه وارتفع بؤبؤا عينيه ووضع قبضتيه بجانب رأسه. مقاتل، قال لنفسه.

من نفس القسم الثقافي