الثقافي
مفاجأة كورتاثار في مئوية ولادته
جَرى النَّشْر تحت العين الحريصة لأرملة كورتاثار وبالعِناية الفاحصة لكارلس أَلْڤَاريثْ غاريغا كمختص في أدب الراحل
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 18 جانفي 2019
عاد الكاتب الأَرجنتيني الشهير خوليو كورتاثار إلى الظهور من جديد في العاصمة الفرنسية باريس، إثر نشر مجموعة قصصية جديدة له تحمل عنوان "صفحات لا مُنْتَظَرَة"، وذلك ضمن المنشورات الجديدة لكبرى دور النشر الفرنسية "غاليمار". حدث أدبي رفيع، بلا شك، سيبتهج له القراءُ الشَّغُوفون بالقصة القصيرة أولاً. وبالطبع المهتمون بالسرد الغرائبي الذي تَميَّزَ به كورتاثار، وكان من أهم أسمائه عالميا.
وكان كورتاثار قد غادرنا في شباط/ فبراير 1984، عقب معاناة قاسية مع داء السرطان، عن سنٍّ بلَغَتْ التاسعة والستين. ولا نزال نَذْكُر الاهتمام الإعلامي الواسع الذي أحيط به خبرُ وفاته في الجهات الأربع للعَالَم، وبالأَخص في فرنسا حيث عاش منذ 1951، وفي البلدان الناطقة بالإسبانية لكونه كتَبَ أعماله بالإسبانية، وتبوأ مكانة كونية وازنة ككاتب كبير طَبَعَ الأَدب الإنساني، الأميركي الجنوبي منه خصوصاً، بجملته السردية وذكاء أسلوبه وثراء متَخيَّله الفانتاستيكي. ولم تُنْسَ مبادرة الصحيفة الإسبانية واسعة الانتشار "الباييس" آنذاك حين خصصت له ملحقاً من إحدى عشرة صفحة تحية لذاكرته وإبداعه، ولقيمة إسهامه في إثراء الأدب واللغة الإسبانيين.
لِهذه الـ "صفحات اللاَّمُنْتَظَرة"، الصادرة في ذكْرَى رحيل كورتاثار، قصتُها القصيرة هِيَ نَفْسُهَا. كما أن لها أصولا عدة، بل أوضاع اعتبارية عدة. فهناك مخطوطات أو وثائق كان قد احتفظ بها المؤلِّف، وظلت لدى أرملته أُورُورَا برنارديثْ في خزانةٍ وُصِفَتْ بالعجائبية (استعملت مترجمة الكِتَاب إِلى الفرنسية سيلْڤيا بّْرُوتَانْ عبارة الخزانة ـ المعجزة) نظراً لكونها خزانةً ممتلئةً باللاَّمُتَوقَّع من النصوص والمفاجآت. وبعض هذه الوثائق أَرَّخَها كورتاثار بخَطِّ يدِهِ، وبعضها الآخر عثر عليه بعض الباحثين منشورة في مجلات وصحف متفرقة، هنا وهناك، فقدموا نسخاً منها إِلى أُورُورا أو بعض مساعديها، عقب وفاة الكاتب. وكان ما عُثِر عليه في الخزانة، في معظمه، أكثر اكتمالاً وأحياناً كان قريباً من صيغةِ الكتابةِ الأولية (Premier jet).
والواقع أن كورتاثار كان يَنْشُر، في الكثير من الحالات، نصوصاً في مجلات وصحف متباينة القيمة، وفي بلدان مختلفة ومتعددة. ويبدو أنه لم يكن يمانع في التجاوب مع نداءاتٍ صحافية أو النزول عند كُلِّ الرغبات التي كان يرى فيها تكريماً له واهتماماً بأَدبه. ولا شك أَن ذلك عَقَّد، إِلى حدٍّ ما، من مهام جمع تراثه واستكمال بناء ذاكرته. ولحسن الحظ، فَإِن بعض هذه النصوص كان قد بعثَها المؤلف إِلى ناشره الأَرجنتيني باكو بوروا وصديقه الدائم إِدْوَارْدُو جونكيير، أو أَيضاً إِلى بُّولْ بلاكبورن أحد مترجميه الثقات إِلى الإنجليزية. فَظَلَّ هؤلاء محتفظين ببعض هذه المخطوطات والنسخ التي ضاعت أصولها، ولم تعثر زوجته لديها على نظير أو أَصْل لها، لا في خزانة الإِعجاز المذكورة ولا في غيرها!
والجميل أن كل هذه اللُّقَى المدهشة صدرت حديثاً بالإسبانية في بْوينَسْ آيرس، قبل أَنْ تصدر بالفرنسية، وذلك بنَفْس العنوان الذي احتفظتْ به دار "غاليمار". وفي الحالتَيْن واللغتَيْن معاً، جَرى النَّشْر تحت العين الحريصة لأرملة كورتاثار وبالعِناية الفاحصة لكارلس أَلْڤَاريثْ غاريغا كمختص في أدب الراحل.