الثقافي

أحمد الملا.. كأنه وقوف على الأطلال

هذا ما نعثر عليه في قصائد مثل "أغنية أندلسية"، و"أغنية غجرية"، و"العائلة"، و"الغريب"

لو أنّ الشاعر أحمد الملا (الإحساء، 1961) افتتح مجموعته الجديدة "كتبتنا البنات" (المركز الثقافي العربي والنادي الأدبي بالرياض، 2014) بأيّة قصيدة أخرى غير "قصيدة أرق"، لكانت المجموعة كلّها تقريباً ستبدو وقوفاً على الأطلال.

هذا ما نعثر عليه في قصائد مثل "أغنية أندلسية"، و"أغنية غجرية"، و"العائلة"، و"الغريب"، و"قصصتَ رؤياك".. وهي ليست مسألة مؤسفة؛ بل إن الشعر الحديث برمته يبدو واقفاً على الأطلال. ليست أطلال المدن فحسب، بل أنقاض العلاقات التي من الممكن النظر إليها كأطلال. وكذلك ما يؤلّفه الفقد والهجران وسوء التفاهم مع العالم الاستهلاكي السريع. وربّما هو "المفتتح" الذي لا يُغادره الشعراء في حياة الكتابة.

ليست البيئة فقط من تفعل ذلك مع الملا، إذ إننا نستطيع أن نضيف إليها القراءات التي جاءت إليه من بيئات مختلفة. ومهما كانت القراءات غريبة ومدنيّة، يحاول الشاعر أن يضعها في ذلك القالب البدويّ للصور واللغة والأحداث في نصوصه: "كنتُ هائماً، ألقط الحروف/ وأدوّن الأسماء والبرق./ العريُ ملبسي/ وزينتي الأولى".

تبدو الرقّة هنا وخزاً غير متوقّع تحت جلد اليدين، ونحن نحمل الكتاب لنقرأه. الرقّة التي تغلّف كل المجموعة من خلال استدراج الملا لما لا يُمكن نسيانه: "خشب نسمع انكسار حنينه في البرد ونلمح تقوّسه في ناهض الألم". في الوقت الذي يقول فيه مثلاً: "نشف الطين في زفرة واحدة"، تبدو الصور الكثيرة وكأنّها تخفّف من نار اللغة البدويّة المستعرة. بل تبدو البداوة وكأنها الجزء الذي يُريد الملا أن لا يكونه.

وقد نفتقد لتلك الموسيقا الداخليّة الوهميّة في قصيدة النثر الهادئة. وهي مخيفة كذلك، لأنّنا قد نقطع تلك الشعرة بين الشعر والنثر، في قصيدة النثر، فيما يأخذنا الجلَد والجسارة في الوصف الكثير المتدفّق: "لا لم يتبق من البارحة، من أرقها إلا طحين في طرف الأنامل. الأنامل التي دغدغها حلم رغيف تخطّفته أيد جائعة إلى النوم". فهي تختلف في حمولتها عن جملة كهذه: "سبابتي تفتلُ اتجاه الريح وأتذوّق من أين تعبرين". وكثير من مثل: "وسوى النخل لم يلحظ وحشة العابر".

يعرف الملا إلى أين يأخذ كلماته، ويعرف لماذا يجب أن تخفت الإنارة في مكان ما، بينما تعلو المناجاة في أماكن أخرى. الأشياء حوله تبدو طيّعة، رغم خشونتها، لدرجة أن القول يذهب إلى: "يا لها من قنديل/ تلك الأغنية"، أو "بكفّيها تمسّكَ الهواء". ويستطيع القول أيضاً "أنهكتنا صفاتك".

بعد أربع مجموعات شعريّة: "ظلّ يتقصّف"، و"خفيف ومائل كنسيان"، و"سهم يهمس باسمي"، و"تمارين الوحش"، يبدو الملا في "كتبتنا البنات"، يشقّ طريقاً خاصّة به، مرّ عليها شعراء قليلون، وهي تجمع بين العديد من النقائض، ويلتمع حولها الكثير من المغامرة في تلميع المفردات والجمل وتحويلها إلى شعر.

من نفس القسم الثقافي