الثقافي
العربية والفارسية: قصة ثقافتين
صدر حديثاً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 13 جانفي 2019
للوقوف على عمق التداخل الثقافي العربي ـ الفارسي عبر التاريخ، لا بد من قراءة كتاب الباحث المغربي رشيد يلوح الذي صدر حديثاً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" (271 صفحة من القطع الكبير).
ويشير الباحث في مقدمته إلى أن كتابه هو مساهمة في تأسيس مقدِّمة نظرية جامعة بين الثقافتين العربية والفارسية، في حين أن معظم الدراسات المتوفّرة حتى الآن في هذا المجال تقع ضمن دائرة الأدب المقارن.
ولإنجاز كتابه، نظر "يلوح" إلى كمٍّ كبير من نصوص التراث العربي الفارسي بحثاً عن العناصر التداخلية الكامنة، ثم استخلص نتائج تحاول تفسير حقيقة التداخل الثقافي العربي الفارسي، مرتكزاً في مهمته على منهج الدراسات الثقافية.
ويأتي صدور هذا البحث الذي يحمل عنوان "التداخل الثقافي العربي الفارسي"، في ظل التوتر الذي تشهده العلاقة بين العرب وإيران، خصوصاً بعد أحداث العراق وسوريا. وقد سعى يلوح فيه، وهو متخصص في الدراسات الإيرانية، إلى إبراز الحدث التداخلي الذي ربط بين الثقافتين العربية والفارسية بوصفه طفرة ثقافية تشاركية فريدة في تاريخ الثقافة الإنسانية على مستوى خصائصها ومواصفاتها ونتائجها.
يتناول الكتاب مجموعةً من الأسئلة والإشكاليات الجزئية والرئيسة تنتظم ضمن ثلاثة فصول رئيسة: في الفصل الأول تم بسط مدخلٍ نظري تاريخي عبر مبحثين رئيسين، يعرض الباحث في الأول لعلاقة الثقافة بالتاريخ، والحاجة الإنسانية إليها، ثم يتناول مفهوم "التداخل الثقافي" في بعده الحضاري، وكيف قاربته جهود الأنثروبولوجية الثقافية.
وفي المبحث الثاني تقف الدراسة على الإطار التاريخي العام الذي حكم العلاقات العربية الفارسية قبل الإسلام وفي فجر الدعوة النبوية، وتحاول رصد لحظة التحول في العلاقة الجديدة التي بدأت تنسج خيوطها بين الضفتين العربية والفارسية.
ويشتمل الفصل الثاني بدوره على مبحثين محوريين، الأول يقوم على بسط مفصّل لمقدمة نظرية في فهم آليات التداخل العربي الفارسي، والتي اصطلحنا عليها بـ"النواظم الثلاثة". والمبحث الثاني خُصِّص لعرض أهم قضايا وأسئلة النقاش الثقافي العربي الفارسي، من خلال ثلاثة أسماء هي محمد عابد الجابري وعبد الحسين زرين كوب ومرتضى مطهري.
أما الفصل الثالث والأخير من الكتاب فيهتّم بالجانب التطبيقي، وذلك عبر مبحثين، الأول يعرض ويحلل بعض النماذج الثقافية التداخلية التي تنتمي إلى المرحلة المُمتدة بين القرنين الأول والخامس الهجريين، بينما يتناول المبحث الثاني المرحلة الثانية الممتدة بين القرنين السادس والعاشر الهجريين، ويشتمل على محور اهتم برصد التحول الحضاري الذي عرفه التداخل الثقافي العربي الإسلامي وتأثره في الثقافة الأوروبية الناهضة حينئذ.
وفي الختام يخلص الكتاب إلى عشر نتائج رئيسة نذكر منها أن العلاقات العربية الفارسية قبل الإسلام لم تكن دائمًا علاقة بين طرفين متكافئين، لذلك لم تكن مؤهّلة لبلورة تداخل ثقافي عميق. بينما شَكّل الإسلام المُحفّز الأكثر تأثيرًا في هذا التداخل وميّز بوضوح بين ما قبله وما بعده في مسار العلاقات الثقافية بين الشعبين. وقد مثّلت فترة الرسالة النبوية مرحلة نضج المنهاج النبوي في معالجة الحياة الإنسانية، ما أعطى العرب قابلية للانفتاح على الشعوب الأخرى والتفاعل معها.