الثقافي

علاء رشيدي.. اقتحام هادئ لكواليس الثورة

يتقمّص رشيدي دواخل سكّان قصصه بحساسية "إجرائية" بالغة، وكأنه ينقل عن "موديل" واقف أمامه

"اللعبة الأخيرة قبل فرض القواعد" مجموعة قصصية للكاتب السوري الشاب علاء رشيدي صدرت حديثاً عن دار "أطلس". مجموعة لا يبدو أنّ كاتبها كان مفتوناً لدى عمله عليها بإعادة اختراع عجلة الكتابة، أو حتى مجرد تجريب قوالبها الأكثر تداولاً. عوضاً عن ذلك يدخل رشيدي في نسق حكائي يترك له حرية انتقاء الزي السردي الذي يريد أن يظهر، أو يتنكّر، به.

هناك راو مراقب ورزين للحكاية، وهناك الشخصية التي تحكي قصتها بنفسها وكأنها لا تثق بأحد آخر لأداء هذه المهمة. حوارات مسهبة على الـ"سكايب"، ورسائل بريد إلكتروني، وربما فصول متوالية لقصة ممسرحة. قد يُستدرج القارئ إلى هيولى أحلام قلقة وهلوسات سائلة، ليجد نفسه في الصفحة التالية وهو يطالع فهرساً (حرفياً) لأحداث القصة اللاحقة وكأنه تبويب تقرير أكاديمي. والمحكية لغة للحكاية أيضاً إلى جانب الفصحى.

قوالب وتقنيات متعددة بتعدد شخوص الأحداث المروية التي يتورط الكاتب في توثيق مساراتها وأهوائها، أدبياً هذه المرة، إنّما من دون أن تفقد للحظة ارتباطها العضوي بما يُحكى، حقيقة، على الأرض السورية، وعنها. لنلج مع الكاتب بسلاسة أقبية الحراك الشعبي في البلاد، ونحلّق فوق أسطحه التي ستنهار "سلميّتها" في المستقبل الذي يبدأ مباشرةً بعد طوي الغلاف الأخير للكتاب.

اقتحام هادئ لكواليس "الثورة" عبر ثماني قصص طويلة، يبدو وكأنّه يحدث اعتباطاً، دون قصدية مبيّتة، من خلال لغة وصفية متقنة، ترتكز على تفاصيل قد تكون متخيّلة تماماً في تتابعها وفضاءات حدوثها، غير أنّها تلمس في الذاكرة الجمعية السورية خلايا حنينٍ لا يزال غضّ على مدى السنوات الثلاث الأخيرة.

يكتب رشيدي عن جثث بلا هويات تتوافد إلى منزل فرضت "قواعد اللعبة" على أهله أن يخصّصوا إحدى غرفه لتكون مشرحة مرتجلة، تستريح فيها الأجساد الهامدة ريثما يتم نقلها إلى غرفة أخرى تستحيل بدورها، بين عشية مظاهرة وضحاها، إلى ورشة "روتينية" لخياطة الأكفان، بحضور ثلاثة أطفال يعتادون هذا الـ"ديكور" الطارئ الرهيب الذي لا يعرف البالغون إلى متى سيستمر.وهنا لا يجد رشيدي حرجاً من تناول أُناس يستقبلون مصائرهم الجديدة كما يستقبلون بالخطأ مشروباً ساخناً لم يطلبوه من النادل الجديد: "توقعنا في ذلك اليوم عدداً أكبر من الجثث المجهولة، وحضّرتُ في ذلك النهار ثلاثة أو أربعة أكفان. مساءً، حين لم يصلنا إلا الجثة رقم 15، لم نكن نعرف ما يجري حقيقة في المدينة" (حكاية فريق الموتى).

أمّا في "أسماء مستعارة للمغامرة، أسماء مستعارة للحنين" فتبدو جميع الشخصيات، التي تتفاعل مع بعضها بعضاً عبر البريد الإلكتروني، مربوطة بخيط استعادي، لا يشد إلى الوراء بقدر ما يستدعي قراءة أخرى لما كان ومضى، وكأننا بالكاتب يحاول أن يطلعنا على "مواهبنا" الاستشرافية التي التبست علينا دهراً، وفقدنا النسق المنطقي للاستدلال بها في حينه؛ أو لعله يضيء لقارئه الزمن "المضارع" الذي ليس في النهاية سوى البرزخ الذي تلتقي فيه لحظتا تحقّقِ النبوءة وانقضائها: "قامت الثورة وأنا شغّلت هالكاميرا، بس أُصبت بصدمة. لأنّو حتّى وقت بْصوّر وفاة شهيد عم يلفظ أنفاسو الأخيرة؛ ما بحس حالي عم صوّر شي جديد. بحس وكأنّو عم صوّر أشياء كنت إحلم فيها من زمان، من قبل ما يموت الشهيد".

من نفس القسم الثقافي