الثقافي
"معجم الدوحة التاريخي": فتوحات في ذاكرة العربية
السنوات القليلة المقبلة ستشهد استكمال الأجزاء الأربعة المتبقّية منه
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 07 جانفي 2019
إطلاق معجم تاريخي في ثقافة ما، يُعدّ حدثاً مؤسساً. من هذا المنظور، لا يمكن اعتبار إطلاق "معجم الدوحة التاريخي للغة العربية" إنجازاً خاصاً بـ 2018 فحسب، فهو إنجاز أشمل تحقّقه الثقافة العربية. من جانب آخر، لا تعدّ السنة المنقضية سوى محطّة في مشروع المعجم، حيث إن السنوات القليلة المقبلة ستشهد استكمال الأجزاء الأربعة المتبقّية منه.
في العاشر من كانون الأول/ديسمبر الماضي، جرى الإعلان عن اكتمال الجزء الأول من المشروع، وهو يمسح مرحلة تنتهي إلى سنة 200 هجرية. وقد جرى بالمناسبة إطلاق منصة إلكترونية تشير إلى بُعد آخر للمعجم التاريخي يتمثّل في الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة في هكذا مشروع.
وإذا كان المعجم يهدف إلى تقديم تاريخ كلّ كلمة في اللسان العربي، فإن مهمته ليست باليسيرة، نظراً إلى خصائص العربية من حيث امتدادها الجغرافي، والأهم من ذلك عراقتها التاريخية. يُذكَر في هذا السياق، أن اللغات الحية التي أنجزت معاجمها التاريخية إلى اليوم، مثل الألمانية والإنكليزية والفرنسية والروسية، لا يتعدّى تاريخها بضعة قرون (بين خمسة وعشرة)، في حين أن تاريخ العربية يمتد على قرابة ألفيّتين، كما أن عدداً كبيراً من كلماتها تعود جذورها إلى لغات أبعد في التاريخ.
سيصل الجزء الثاني من "معجم الدوحة التاريخي" إلى القرن الخامس الهجري، وتبعاً لذلك سيشكّل هذا الجزء تحدّياً مضاعفاً، على اعتبار أن هذه الفترة شهدت اختلاط أمم كثيرة بالثقافة العربية بفعل دخولها في الإسلام. كما شهدت هذه المرحلة دخول مصطلحات علمية كثيرة من لغات أخرى، أبرزها الفارسية واليونانية، ومنها مصطلحات أساسية في العربية منذ ذلك الوقت.
وتكمن قيمة هذا النوع من المعاجم، ليس فقط على مستوى التعريف بمفردة من المفردات، وإنما في توفير إطار يرصد تطوّرات دلالة الكلمة، وكيف تنقّلت استعمالاتها من عصر إلى آخر.
يعتمد المعجميون المشاركون في إنجاز "معجم الدوحة" على نصوص مختلفة ظهرت فيها هذه الكلمات، من النقائش القديمة إلى نصوص الأدب ووثائق التسيير والحكم.
لكن، أهمّ ما ينتظر من المعجم، خصوصاً حين يبلغ العصور الحديثة، هو إفادته للباحثين في مجالات عدّة حين يعرض عليهم كيف تقبّلت الضاد أشياء العالم وأفكاره، من تسمية أغراض الحياة من ملابس وأثاث، وصولاً إلى التعبير عن نظريات الفكر والعلم. ولعلّ ذلك يساعد في ردم الفجوة المعرفية مع الغرب وغيره من الأمم، تلك الفجوة التي يتحدّث المثقّفون العرب عنها منذ عقود وقليلة كانت الخطوات لتخطيها.