الثقافي
جمال وارياتشي.. تحبّبات المغربي الطائر
يستفيد وارياتشي من خبرته المهنية كمحلل نفسي في رسم شخصياته وتأطيرها بنوع من الاضطرابات النفسية
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 07 جانفي 2019
صدر للروائي الهولندي المغربي جمال وارياتشي (1978) رواية جديدة تحت عنوان "تحبّب" (دار"كوريدو")، جاءت في 368 صفحة من القطع المتوسط، ونالت من الاهتمام النقدي ما أوصلها سريعاً إلى القائمة القصيرة لجائزة "البومة الذهبية" التي تمنح كل عام لأفضل رواية صادرة باللغة الهولندية.
بدأ جمال وارياتشي المولود لأب مغربي وأم هولندية مشواره الأدبي في العام 2010 برواية "دمار بروسبر موريل" التي تتناول علاقة صداقة جمعت بين ثلاثة أشخاص يخططون سوياً لمستقبلهم ككتّاب وفنانين، قبل أن تفترق بهم سبل الحياة.
وفي العام ذاته أصدر روايته الثانية "25" التي تشكّل الجزء الأول من ثلاثية روائية قام بكتابتها ثلاثة كتّاب، وتتناول الحياة الجنسية لامرأة في ثلاث مراحل مختلفة من عمرها، هي الـ 25 والـ 45 والـ 70. تجربة شكّلت حينها مغامرة أدبية مثيرة وجديدة على الأدب الهولندي، ونالت اهتمام النقاد، خاصة بعدما برزت موهبة وارياتشي في جوار كاتبين مهمّين هما دافيد بيفكو الذي كتب الجزء الثاني من الثلاثة، ودان هيرما فان فوس الذي كتب الجزء الأخير.
في روايته الثالثة "تحبّب"، نلحظ استفادة وارياتشي من خبرته المهنية كمحلل نفسي في رسم شخصياته وتأطيرها بنوع من الاضطرابات النفسية. فبطل الرواية شاب في سن الثلاثين فشل في الانتهاء من دراسته المتعثرة للفلسفة، فقرر افتتاح مشروع شخصي يتمثّل في مقهى ثقافي يديره بنفسه في قلب العاصمة الهولندية، تعاونه في ذلك "إلسا"، الفتاة التي امتلكت قلبه.
لكن بسبب اضطراب شخصية البطل وعدم قدرته على إقامة علاقة طبيعية بحبيبته، فيعاملها بعنف يصل أحياناً كثيرة إلى الضرب، تتصاعد الخلافات بينهما بوتيرة متسارعة، فيفقد مشروع المقهى الأدبي بريقه وينصرف عنه زبائنه، قبل أن يعلن بطل الرواية (يضن عليه المؤلف باسم) إفلاسه ويخسر حبيبته.
قسّم وارياتشي روايته إلى ثلاثة أقسام رئيسية، في كل قسم يسرد حكاية حب مر بها بطله. ففي القسم الأول يسرد علاقته بإلسا وكيف خسرها مع مشروعه. وفي القسم الثاني، نرى البطل يبحث عن أية وظيفة تبقيه على قيد الحياة، فيعثر على عمل متواضع في أحد مكاتب البريد ويبدأ في تأمل حياته وعلاقته السابقة بحبيبته، ويتسائل عن معنى فقدانها، كما ينطلق في البحث عن أسباب تعاسته كإنسان، ممنياً نفسه بالعثور على سبب هذه التعاسة تارةً في العلم، وتارة أخرى في ماضيه المعقّد وعلاقته غير السّوية بأمه التي يزورها كل يوم أحد في مأوى للمسنّين.
وأثناء رحلة بحثه عن سبب معاناته، يدخل في علاقة حب جديدة مع امرأة غير ضعيفة هذه المرة تعامله بندية. وهنا يبرع الكاتب في رسم ملامح هذه المرأة التي تدعى زيرلين وتجعل بطلنا يحنّ إلى إلسا الراضخة والمستكينة، لكونها تحاول دوماً فرض قيودها عليه، فيبدأ بتجنّبها وينطوي تدريجياً على ذاته ويصير إنساناً صامتاً طوال الوقت.
وفي وظيفته الجديدة، يحاول البطل الهروب من ماضيه، ما يجعله يشعر أنه عاد إلى حياته الرتيبة السابقة، لولا سيره وحيداً ظهيرة كل يوم، ما سمح له برؤية أشخاص آخرين غير زملائه في مكتب البريد. وخلال نزهاته هذه، يعثر في أحد الأيام على قطط صغيرة تركتها أمها خلفها واختفت، فيبدأ ظهيرة كل يوم بالمرور عليها لإطعامها. ومع الوقت، يلاحظ أن هناك قطّاً يعاني من تشوّه في عينه، فيقرر أن يتبنّاه ويمنحه اسم "بوسكيمي" نسبة إلى فيلم كوانتين تارانتينو "كلاب الخزان".