الثقافي
تيزير أوزلو.. خلف آثار كافكا وسائر الإخوة
العالم الوحيد الصالح للعيش هو عالم الكتّاب الذين يصالحون المرء مع نفسه
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 06 جانفي 2019
وأخيراً، صدرت الترجمة الفرنسية لرواية "خلف آثار انتحار" (دار Bleu Autour) للكاتبة التركية تيزير أوزلو (1942 ـ 1986)، مرفقةً بالسيناريو الذي استقته منها. ونقول أخيراً لأن هذين النصّين اللذين كتبتهما أوزلو باللغة الألمانية لم يصدرا إلا بالترجمة التركية التي وضعتها الكاتبة لهما، رغم قيمتهما الأدبية وتضمّنهما تفاصيل لا تحصى حول حياة وطريقة تفكير "طفلة الأدب التركي الشقية".
ولمن لا يعرف أوزلو، نشير إلى أنها ولدت في منطقة الأناضول، وعاشت طفولة ومراهقة صعبتين بين والدين علمانيين نشطا في مجال التعليم، والمدرسة الكاثوليكية النمساوية في إسطنبول حيث درست. لكن عشقها للحرية وللسفر والمغامرات العاطفية دفعها إلى الرحيل قبل إنجاز تعليمها، فتنقّلت بين مدن أوروبية كثيرة، أبرزها باريس وبرلين وزيوريخ، حيث توفّيت باكراً بعد إصابتها بمرض السرطان، تاركةً خلفها أعمالاً أدبية جريئة بقدر ما هي مشعّة.
ومن إنجازات أوزلو نذكر، على مستوى الترجمة، نقلها من الألمانية إلى التركية بعض نصوص كافكا ونصّي إنغمار برغمان "الفراولة البرّية" و"عبر المرآة"، وعلى مستوى الكتابة، قصصها الغزيرة وخصوصاً روايتيها اللتين تتحلّيان بطابع السيرة الذاتية. الرواية الأولى صدرت عام 1980 بعنوان "ليالي الطفولة الباردة" وتُرجمت إلى الألمانية ثم إلى الهولندية فاليونانية والفرنسية. أما الرواية الأخرى، " خلف آثار انتحار"، فكتبتها أوزلو مباشرةً باللغة الألمانية عام 1982.
ومع أن هذه الرواية نالت "جائزة ماربورغ الأدبية" التي تُمنح لنص ما يزال على شكل مخطوطة، إلا أن أوزلو لم تجد لها ناشراً في ألمانيا، وهو ما دفعها إلى إصدارها في إسطنبول عام 1984 بعد أن ترجمتها شخصياً، وبكثير من التصرّف، إلى التركية. ومن هذه الرواية استقت سيناريو بعنوان "الحياة خارج الزمن"، كتبته بالألمانية، لكنه لم يصدر بدوره إلا بالنسخة التركية التي وضعتها له.
وكان على هذا النص انتظار الروائية والمترجمة الفرنسية ديان مور كي يحظى، مع الرواية التي تقف خلفه، بترجمة إلى الفرنسية، علماً أن الترجمة جرت انطلاقاً من النسخة الألمانية نظراً إلى تفوّقها شعرياً على النسخة التركية. وفعلاً، تتميّز النسخة الألمانية لرواية "خلف آثار الانتحار" بقوة شعرية واضحة تتجلى خصوصاً في تحرّر أوزلو داخلها من الحدود الجغرافية والزمنية، لكن من دون أن يؤدّي ذلك إلى تيه القارئ الذي يقبل بمرافقتها في سفرها المسرود داخل هذا النص.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن كتابة أوزلو لروايتها باللغة الألمانية كانت خياراً متعمّداً، كما يشهد على ذلك ما كتبته حول هذا الموضوع في دفتر يومياتها: "ماذا تعني اللغة؟ يمكن للّغة أن تكون واجهة منزل برليني قديم، جادّةً مزفَّتة بشكلٍ سيئ، أو ليلاً فحسب. أحياناً، [يمكنها أن تكون] جسداً رفيعاً وشاحباً، أو جملة كاتبٍ لا ملح فيها إلا باللغة الألمانية. [...] من أين أنا؟ من أبٍ وأمٍّ غريبَين عليّ. من لغة أضحت غريبة عليّ. من الطبيعة التي تفرحني وتخيفني. من بلدٍ تألمتُ فيه وأريد الهروب منه".