الثقافي

مروان الغفوري: رسائل صعدة

يتخذ الروائي من مدينة صعدة (شمال اليمن)، بإرثها التاريخي المثخن بالأيديولوجيا والحرب، مكاناً تشعّ فيه البطلة

"جدائل صعدة" الصادرة أخيراً عن دار "الآداب"، هي الرواية الثالثة للكاتب اليمنيّ مروان الغفوري (1980)، بعد "كود بلو" (2008)، و"الخرزجي" (2013).

يتخذ الروائي من مدينة صعدة (شمال اليمن)، بإرثها التاريخي المثخن بالأيديولوجيا والحرب، مكاناً تشعّ فيه البطلة إيمان داخل الظلمة التي تحيط بها، لتدفع عن نفسها تهمة "الزنا" التي جلبها لها انتفاخ بطنها بسبب ورمٍ.

على مدى الخط الروائي، تدور حربان متوازيتان: الأولى أدواتها الأسلحة القاتلة للجسد، ولا تسمّي الرواية أطرافها، بل تدل عليهم، لتلامس جانبها الإنساني المسكوت عنه عادة؛ والثانية، معنوية تُنهك الروح، ويقودها المجتمع ضد نفسه.

لإيمان، "الهاشمية" بانتمائها إلى نسب النبي محمد كما تخبرنا الرواية، اسمٌ أول هو زينب، تخلّت عنه أثناء توجهها من مدينة صعدة التي تطبّب بالرقية الشرعية، إلى إحدى مستشفيات صنعاء، ما يعكس اغتراباً إنسانياً يعتريها، هو ذاته الذي يعتري بقية الشخصيات أيضاً. شقيقها الأكثر قرباً منها، حسن، يحارب في الجبهة ضد الجيش، "عملاء الخارج"، لكنه يتحاشى دائماً قتل أعدائه. كذلك "الوهابي" الذي يهدي حبيبته، أثناء لقائهما خلسة، كتباً دينية تحرّم الحب؛ والآخر الذي تطرده القرية فتستقبله قرية أخرى يحمل تجاه قاطنيها أفكاراً تمييزية. 

هكذا، تضعنا الرواية أمام مجتمع متناقض وممزق، شخصياته مطبوعة على العنف أو خاضعة له، مقابل إنسانية مكبوتة. وتمثّل إيمان في هذا المجتمع حالة الرفض للموت، فنطمئن إلى ضوء يلوح من أفق يشبه موسم الرمَّان الذي تشتهر به صعدة.

يستخدم صاحب ديوانَيْ "ليال" و"في انتظار نبوءة يثرب"، طاقة الرسائل في السرد، بين بطلته إيمان، وشخصيته الحقيقية، فينجح في فصل نفسه عن بطلته التي تسرد قصة الحرب، وفي بعْث اللغة الشاعرة في ردوده الممهورة بتوقيعه، "مروان"، وفي استحضار تاريخ الألم ليخبرها أنها ليست وحدها.

  يجري ذلك في مقام سردي يبقى الحدث فيه نشيطاً، ويتطلب من القارئ مراجعة ما انتهى من قراءته للتو كشرط لاكتمال السرد. يقول الغفوري في هذا السياق: "داخل النص الروائي، أجمع قصاصات من الشعر والسياسة والسرد واللغة، وألصقها على الجدران حتى يكتمل النص. أراوح في الممر، أو على  المنصّة، جيئة وذهاباً؛ ألصق هذه هنا، وهذا هناك. أقول لنفسي في لحظة ما: الآن أصبحت الصورة مقنعة. الصفحة التي تتحرك عليها أصابعي هي لوحة بيضاء أحوّلها إلى لعبة تبادلية بين الظل والضوء. العنصر المركزي في العمل أن أترك للقارئ استكمال بناء المشاهد على طريقته".

لسببين رئيسين يتمثلان في موقف الكاتب السياسي، وحضور مدينة الرواية، صعدة، كجزء من الأزمة التي تتحكم بمصير اليمن، كان من المتوقع ألا تفلت الرواية من كماشة الانحيازات التي ينفيها الكاتب: "لا أخشى على الرواية من موقفي السياسي بل من الموقف السياسي للقارئ. آلية التأويل الرائجة هي آلية تلصص سياسي. رأيت مثقفين يمنيين اعترفوا بأنهم لم يقرأوا الرواية التي وصفوها بـ"الطائفية". بيئة التلقي موبوءة بأفق جاهز. كانت إيمان مدركة لهذه المعادلات الحرجة وهي تروي. كانت عينها أيضاً على المستقبل البعيد. تحدثت إلى ناس سيأتون بعد زمن. وفي ما يبدو، استطاعت أن تكون صديقة طيبة القلب للناس الذي خشيتْ من الحديث إليهم. حتى الأعداء الذين أرادت أن تهزمهم عبر سرد قصتها، تعاطفوا معها كلّياً، وربما خرجوا يبحثون عنها في الشوارع والحارات".

 

من نفس القسم الثقافي