الثقافي
كتابان من "طيّ الذاكرة": الفلسفة بحروف عربية
اعتمد محمد لطفي جمعة على ربط الحياة الفكرية بالتحوّلات السياسية
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 01 جانفي 2019
ضمن سلسلة "طيّ الذاكرة"، أعاد "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" إصدار كتابين عن تأريخ العرب للفلسفة؛ الأول: كتاب "تاريخ فلاسفة الإسلام في المشرق والمغرب" (2014) لمحمد لطفي جمعة، الصادر لأول مرّة عام 1927، والثاني كتاب لعمر فروخ بعنوان "العرب واليونان وأوروبا - قراءة في الفلسفة" (2015).
يمكننا القول مع هذه المؤلفات إنّ التأريخ للفلسفة عربياً، أخذ طريقين؛ أوّلها: نزعة نحو تبنّي رواية "المعجزة اليونانية" التي رسّخها المستشرقون، وهي تقول إن التفلسف يوناني المنشأ والمنهج وليس للعرب منه نصيب غير الترجمة أو الشرح، أو على حد تعبير الفرنسي رينان: "الفلسفة الإسلامية مجرّد فلسفة يونانية، مكتوبة بحروف عربية".
غلب على هذا التيار تجاهل ما سبق اللحظة اليونانية من فلسفات الشرق القديم، كما أن أنصاره اعتمدوا فقط على الفلاسفة المشّائيين (أتباع أرسطو) مثل الكندي وابن رشد، كممثلين حصريّين للفلسفة العربية الإسلامية.أما الطريق الثاني، فكان ذا مقاربة إصلاحيّة في تناول الموروث القديم، ودشّنه الشيخ مصطفى عبد الرازق وتبناه أيضاً حسن حنفي في دراسته "الفلسفة في الوطن العربي في مئة عام"، ضمن مقاربات تنزع نحو إثبات أصالة الذات والرد على المستشرقين.
في كتابه، يبدأ جمعة في تأريخه لفلاسفة الإسلام من الكندي، وهو هنا يخالف عبد الرازق الذي اعتبر أن ثمّة تراثاً فقهياً وكلامياً مهّد للفلسفة، أي أنه يضع أبو حامد الغزّالي وابن عربي ضمن الفلاسفة.اعتمد جمعة في عملية تأريخ الفلسفة الإسلامية على ربط الحياة الفكرية بسياق التحوّلات السياسية. يمسك هنا بتفاعلات المُنجزات الحضارية العربية الإسلامية مع النقاشات الفكرية التي رافقتها، إذ يقول "شهد التاريخ (العربي-الإسلامي) حواراتٍ ونقاشاتٍ وسجالاتٍ أغنت الإنسانية باكتشافات واختراعات وعلوم كان لها موضعها الخاص في توريد المعرفة قبل إعادة تصديرها إلى المشرق والمغرب".
ينتمي صاحب الكتاب الثاني، عمر فروخ، للمدرسة القائلة بالإبداع العربي، ويمكن ملاحظة ذلك من اللغة وكذلك من المنهج. فلغته تجمع بين الدقة في النقل واقتباسات من القرآن والشعر كما لاحظ ذلك مقدّم الكتاب، رضوان السيّد. أما على مستوى المنهج التأريخي، فإن فروخ يردّ "عبقرية اليونان لعوامل داخلية، وأخرى خارجية جرى تجاهلها".