الثقافي
بن علي لونيس: محمد ديب وسيرة الطفلة الجنوبية
ينتمي الكتاب إلى الأعمال الأكاديمية القليلة التي اشتغلت على المدوّنة السردية الجزائرية الحديثة
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 01 جانفي 2019
ينتمي كتاب بن علي لونيس "الفضاء السردي في الرواية الجزائرية الحديثة: رواية الأميرة المورسكية لمحمد ديب نموذجاً" إلى الأعمال الأكاديمية القليلة التي اشتغلت على المدوّنة السردية الجزائرية الحديثة، وعلى وجه التحديد الرواية المكتوبة باللغة الفرنسية، من خلال منهج التحليل السردي الحديث.
في مقدمة كتابه الصادر عن منشورات "الاختلاف"، أشار أستاذ النقد الأدبي والأدب المقارن في جامعة بجاية، إلى ضرورة قراءة روايات محمد ديب (1920 - 2003) الأخيرة التي ظلّت بمنأى عن الدراسة، ومنها روايته "الأميرة المورسكية" (1994)، والتي وجد فيها نصاً مختلفاً عن رواياته السابقة ذات الأسلوب الواقعي الذي يميل إلى استبطان العوالم الداخلية للذات.
في هذه الرواية، يقول لونيس إن لغة ديب اكتست بعداً مجازياً أكبر، من خلال قصة طفلة تدعى ليلي بيل من أب جزائري وأم أوروبية تعيش في الشمال، وتحنّ إلى أرض الجنوب. هذه الازدواجية في الانتماء أثمرت ازدواجية في الإحساس، وهو المقام الذي بات يعيش ضمنه أبناء المهاجرين المغاربيين في الضواحي الفرنسية.
ليلي بيل لم تجد أمام الزمن البارد الذي تعيش فيه، أو ما سماه الباحث بالزمن الثابت، إلا الهروب إلى شمس الجنوب/ الزمن المتحرك، كما سمعت عنها وتخيّلتها؛ فتحوّل ذلك إلى لعبة يومية لا تستمد منها التسلية، بل الوجود والقدرة على البقاء على قيد الحلم والحياة.
هذه الحالة خلقت تداخلاً عضوياً بين الزمان والمكان، بحيث أصبحت علاقتهما واحدة بالسرد وبالأسئلة الوجودية مثل المهجر والمنفى والهوية. فليلي بيل تنفر من المكان إلى الزمن ليصبح بديلاً عنه، تماماً كما يفعل عرب اليوم، من خلال هروبهم من المكان العربي المفخخ بالتعسفات المختلفة، إلى الزمن الأندلسي المفتوح على فن العيش واحترام قناعات الإنسان ورغباته.
ولئن كان مبرراً للعرب المعاصرين، من زاوية إنسانية، أن يهربوا إلى ماضيهم الأندلسي الذي كان يوفر للإنسان كرامته وحريته، فما مبرر هروب "الأميرة المورسكية" من فضاء غربي يحترم أنوثتها، إلى فضاء جنوبي لا يفعل ذلك؟ هنا يطرح محمد ديب ذاكرة الأجداد بوصفها سلطة في تحديد طبيعة المخيال.
يأتي كتاب لونيس بن علي، في ظل غياب واضح للدراسات العربية المتوجهة للمتون التي كتبها كتّاب عرب باللغة الفرنسية، لينبه القارئ الجزائري والعربي إلى أسئلة الرواية عند ديب خارج عوالمه الواقعية التي رسخت في ذاكرة القارئ من خلال ثلاثيته الشهيرة "الدار الكبيرة" و"الحريق" و"النول"، والتي ألفها قبل الاستقلال، لتكون عتبة مبشّرة بميلاد الرواية الجزائرية الحديثة.