الثقافي

منظمة التحرير.. برواية زياد عبد الفتاح

يسائل الكتاب التجربة الوطنية الفلسطينية بناءً على واقعها التاريخي والسياسي

في "ورق حرير" (الرعاة للدراسات والنشر)، يروي الصحافي الفلسطيني زياد عبد الفتاح (1939) ما هو أكثر من سيرة لتجربة عمله الإعلامية. ولعل تسمية الكتاب بـ "رواية" قد تفسر رغبة الكاتب في تجاوز تجربته العملية في "الوكالة الفلسطينية للأنباء - وفا"، لسرد قصص ومراحل وسير من تاريخ النضال والوجود الفلسطيني في مرحلة ما بين تأسيس الوكالة في بيروت، والانتقال بعد "اتفاقية أوسلو" إلى رام الله.هكذا، يسلّط الكتاب الضوء على تلك فترة من الوجود الفسلطيني الثوري في لبنان، ويكاشفنا بيوميات وأحداث شخصيات معروفة، من بينها ياسر عرفات، ومحمود درويش، ومعين بسيسو، وغيرهم.

يتناول عبد الفتاح الطريقة التي كانت تحكم عمل "منظمة التحرير"، وعلاقة فصائلها المتشعبة بأجهزة المخابرات العربية في بيروت؛ موضّحاً كيف كان النظام السوري حاضراً وذا تأثير، من خلال نظام المحاصصة المتّبع فلسطينياً، عبر توزيع المناصب والهيئات على الفصائل، ما جعل المخابرات السورية وحساباتها صاحبة اليد العليا في القرار الفلسطيني، من دون أن نغفل نجاح أجهزة مخابرات عربية أخرى في اختراق النظام السياسي الفلسطيني بتوابع وأزلام.إلى جانب درويش وبسيسو، تحضر في الكتاب أيضاً أسماء معروفة في الشعر والأدب والصحافة، مثل سعدي يوسف وحيدر حيدر. كما تحضر بدايات شعراء وصحافيين وساسة لبنانيين وعرب من مصر والجزائر والعراق، وجدوا في البيت الفلسطيني حاضناً ورافعاً للثقافة العربية آنذاك؛ وبدايات مسؤولين كانوا مثار جدل ورأينا "مآلاتهم" في ما بعد، مثل خالد سلام أو محمد رشيد، مستشار عرفات السابق، الذي بدا وقتها شاباً نشيطاً ومستعداً للعمل تحت أي ظرف.

من جهة أخرى، يقدّم الكتاب تاريخاً غير معروف ليوميات الحركة الوطنية الفلسطينية في بيروت، متوقّفاً عند ظروف اتخاذ القرارات الفلسطينية حينها، وعند أسلوب ياسر عرفات وطريقته في العمل والإدارة، الفريدة على أكثر من صعيد. وفي هذا السياق، يغوص في شخصية أبو عمّار، محاولاً رصد معالمها متعددة الأشكال والصفات، وكاشفاً كيف ظلت حركات التحرر الوطني الفلسطيني مرتبطة به، سواء اختلفت أو اتفقت معه.وبحسب عبد الفتاح، كان عرفات مشكّلاً لمتن الوطنية الفلسطينية، وباعثاً لعسفها التقليدي الذي جاء في صورة المؤسسات التي عرفها الفلسطينيون مع قدوم السلطة. فصحيح أن الفلسطينيين حاولوا بناء دولة، إلا أن الممارسات لم تكن على مستوى الأحلام، فكانت التجربة عرضة لمزيد من التشوّهات، والفلسطينيون عرضة لمزيد من الفشل.

باختصار، تكمن أهمية "ورق حرير" في فتحه الباب على مساءلة التجربة الوطنية الفلسطينية بناءً على واقعها التاريخي والسياسي والاقتصادي، في مختلف المراحل والمحطات التي مرت بها، وعلى سؤال آخر جوهري: لماذا تُرك ياسر عرفات وحيداً ومتفرداً بالقرار الفلسطيني؟

 

من نفس القسم الثقافي