الثقافي
"جاز العرب": ما وراء المتّهم المثالي
يصوّر تشوّهات عالم يتسلّط عليه متشدّدون من آفاق مختلفة
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 12 ديسمبر 2018
أحمد تارودان شاب عربي يعشق الروايات البوليسية. جدران منزله الباريسي مكسوّة بهذا النوع من الروايات التي يشتريها من بائع الكتب المستعملة في حيّه. كتبٌ تشكّل درعاً يحميه من العالم الخارجي، فهو يعاني من حالة اكتئاب مزمن، ولا يخرج من منزله إلا نادراً.
جارته لورا فقط، التي تعمل مضيفة طيران، تتمكن من الحديث معه، حين تطلب منه سقي شتلات الزهور في منزلها، أثناء غيابها. لكن في إحدى الصباحات، يعثر أحمد على لورا مقتولة غارقة في دمائها، ويلاحظ أنه يشكّل المتّهم المثالي؛ ليس فقط لأنه عربيٌ غريب الأطوار، بل لكونه الوحيد الذي يملك مفاتيح بيتها. ولإبعاد الشبهة عنه والانتقام لجارته، يضطر إلى مغادرة عالمه الداخلي والبحث عن القاتل الحقيقي.
انطلاقاً من هذه الحبكة البسيطة، يشيّد مخرج الأفلام الوثائقية الموريتاني، كريم مسكه (1964)، روايته البوليسية الأولى "جاز العرب"، التي صدرت عن "دار فيفيان هامي" الباريسية عام 2012، قبل أن تصدر ترجمتها الإنجليزية أخيراً عن "دار ماكليهوس" اللندنية (ترجمة سام غوردن).
رواية تغوص بنا داخل عوالم طائفة اللوبافيتش اليهودية وجماعة السلفيين وطائفة شهود يهوه في الدائرة 19 من باريس، ونرافق فيها أحمد، وأيضاً الشرطيين جان أملو وراشيل كوبفرشتاين، في بحثهم عن قاتل الشابة لورا.حبكة الرواية ستتعقّد تدريجياً مع دخول شخصيات جديدة على الخط. بينما ستتطوّر أحداثها بطريقة تجعلنا نشك في كون القاتل مجرّد أصولي أراد قتل لورا التي فرّت من منزل والديها المتشدّدين للعيش بحرية، إذ أين اختفت صديقتها ريبيكا التي رفضت الزواج من يهودي متديّن عثر والداها عليه في بروكلين؟
ولماذا يجهد الحلاق اليهودي، سام، في إقناع الشرطة بأن أحمد هو قاتل لورا؟ وماذا يخطّط الشاب مختار الذي كان جانحاً قبل أن يصبح إماماً يتمتع بسلطة كبيرة على أصدقائه في الحي، مراد وألفا وروبن؟ وهل من رابط بين أعمالهم المشبوهة وانتشار مخدِّر قوي في الحي؟ وما هي علاقة الأخوين جايمس وسوزان بارنس، ووالدهما المسؤول عن كنيسة شهود يهوه في بروكلين، بمقتل لورا في باريس؟
بخيوطها التي لا تحصى، وبطريقة الإمساك بها، وبأنفاسنا، حتى النهاية، تستحضر "جاز العرب" إلى أذهاننا أعمال الروائي الأميركي جيمس إلروي البوليسية. وما يعزز هذه المقارنة هو عنوان الرواية بالذات، المستوحى من عبارة إلروي، "وايت جاز"، التي يفسّرها أحمد للشرطية راشيل بقوله: "وفقاً لإلروي، العبارة تعني ضرباً سافلاً يقف خلفه رجال بيض". عنوان لا يعكس فقط تأثّر مسكه بهذا الكاتب، بل يشكّل أيضاً المفتاح أو "كلمة السر" التي تكشف هوية المجرم الحقيقي في الرواية.