الثقافي

ديلفين مينوي: حين تحتقن الأصول

تروي في كتابها الأخير "أكتب من طهران" سيرتها الإيرانية بكثير من الانفعال والدفء

استقرت الصحافية الفرنسية، ديلفين مينوي (1974)، ثماني سنوات في إيران، من 1997 إلى 2009. ومن الصعب تصوّر ظروف حياتها، في كل تلك الفترة، من دون أن نعرف أن والدها من أصول إيرانية. وها هي تروي في كتابها الأخير "أكتب من طهران" سيرتها الإيرانية بكثير من الانفعال والدفء.

صاغت مينوي عملها، الذي صدر حديثاً عن "دار سوي" الباريسية، في شكل رسالة متأخرة موجّهة إلى جدّها. وهي تقدم شهادة "خطيرة" عن تاريخ إيران القريب.

شهادة فيها الكثير من البهارات الصحافية، لكنها تظل في أعماقها شهادةً شعرية المذاق، فالأحداث التي تسردها هي بالأساس انعكاسات داخلية لما يحدث في الواقع. لقد كانت عينها صحافيةً، غير أن قلمها الذي اختارت أن تكتب به نصوصها كان شعرياً.هذا التمازج نلمسه من هذه الكلمات التي تقول فيها "يجتاحني هاجس أن يأتي يوم، قريباً، لا يوجد فيه من هو مستعد لتقديم شهادته عما حصل". لقد كتبت مينوي نصوصها هذه "تحت الخمار، الملزمة أن ترتديه وهي في إيران"، وبذلك فهي تفتح كوة تذهب بالقارئ إلى عملها السابق "الدجاجات في طهران: وقائع حياة الإيرانيات" (2007) الذي تحدثت فيه عن عالم النساء تحت هذا الخمار الأسود.

الناظر في مشهد مؤلفات مينوي "الإيرانية"، يلتقط بسهولة أنها اختارت في كل مرة أن تكتب في منطقة ملغومة من المجتمع الإيراني. وها إن البعد الاجتماعي قد خفت فجأة لحساب الذاتي والسياسي في "أكتب من طهران"، بما أنها تتقاطع مع مرحلة دقيقة؛ وهي الحراك الشعبي الذي هزّ إيران زمن الانتخابات الرئاسية سنة 2009.في هذا العمل، لم تبق مينوي أصولها الإيرانية محايدةً. إنها تنكفئ على هويّتها الأصلية، تحاورها عبر شخصيات حية تتحرك في نصوصها، مثل جدتها أو صديقتها نيلوفر، أو طالبة تدعى سيبيده. وهي تقول "كل شيء يثور، ضد المنعطف الذي يأخذه التاريخ الإيراني، والذي هو تاريخي". وهذا التماهي بالتاريخ الإيراني لم يكن ليتاح لمينوي لولا الصيغة السردية - الشعرية لعملها، والمسافة الجغرافية والزمنية التي اتخذتها.تعصر مينوي إسفنجة علاقاتها في إيران، فتخرج بحكايات لا تنتهي عن السهرات الليلية السرية والإشاعات التي تطال رجال الدولة والدين، والأحاديث الخافتة عن تجاوزات الأجهزة الأمنية، ومن خلال هذه السهرات تصوّر تطلعات الشعب الإيراني لمستقبله.

تستقر مينوي اليوم في القاهرة، كمراسلة لجريدة "لو فيغارو" الفرنسية في منطقة "الشرق الأوسط". لقد استفادت من ابتعادها عن إيران، منذ 2009، لتكتب ما سمّاه ناشرها "ريبورتاجاً - حجّاً لامرأة غربيّة نادرة تعرف إيران جيداً".

 

من نفس القسم الثقافي