الثقافي
فريدون صاحبجام: "المرجومة" في سيرك العنف الذكوري
ظلت الرواية حبيسة أدراج مترجمها طوال عشرين عاماً
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 07 ديسمبر 2018
عن "دار مسكلياني" للنشر، صدرت أخيراً ترجمة عربية لرواية "المرجومة" للكاتب الإيراني فريدون صاحبجام، أنجزها التونسي وليد سليمان.تدور أحداث "المرجومة" خلال حقبة الثورة الإيرانية التي أطاحت بنظام الشاه، حيث تتناول القصة الحقيقية لثريا مانوتجهري، التي اتهمها زوجها ظلماً بالزنا ليتخلّص منها ويرتبط بامرأة أخرى عشقها في المدينة. تُصوّر الرواية الوقائع الرهيبة لرجم أهل القرية للزوجة حتى الموت والملابسات التي أحاطت بهذه الجريمة منذ زواج ثريا إلى موتها رجماً.
الرواية، كما روايات سابقة ترجمها سليمان: "عزيزي صديقي المرحوم" لأندريه كركوف، و"ذاكرة روبن" للويس دي ميراندا، وأخيراً "المرجومة"، موضوعها الرئيسي هو الموت.عن اختياره لموضوع الموت كمادة لترجماته المتعددة، يُبيّن سليمان: "نظرتي إلى الموت تبقى نظرة فلسفية وجمالية، رغم أنني أكره ثقافة الموت التي صارت منتشرة للأسف في عالمنا العربي والإسلامي. وأنا على قناعة بأن الإنسان لن يعرف قيمة الحياة إلا إذا اصطدم بالموت وخبِر أهواله. من هذا المنطلق، فإن ترجمتي لأعمال أدبية تتناول ثيمة الموت تأكيد على قيمة الحياة".
ويضيف سليمان معلّقاً على اختياره تقديم "المرجومة" إلى القارئ العربي قائلاً: "كل كاتب ومبدع ـ في اعتقادي ـ مُطالب بأن يقف في وجه الاستبداد بكل أشكاله، سواء كان دينياً أو سياسياً أو أيديولوجياً. ومن هذا المنطلق، وجدت في رواية "المرجومة" عملاً فنياً يستحق الترجمة، إذ يتناول جملة من القضايا الملحّة التي لا يعاني منها المجتمع الإيراني فقط، بل المجتمعات العربية والإسلامية".أما عن شخصية الرواية الرئيسية، وعن مدى ارتباطها بقضايا المرأة الحالية، خاصة العنف الذي يبرّر باسم الدين، فيقول: "تصلح ثريا مانوتجهري لأن تكون رمزاً إنسانياً للمرأة المضطهدة في المجتمعات الشرقية وترقى إلى مصاف الأيقونة مثلها مثل جان دارك".
قبل لحظة الإعدام وقبل أن يرمي الأب والزوج والأبناء أحجارهم على ثريا، يقاطع الكاتب المشهد الدموي بوصول عربات سيرك متنقّل ونزول المُهرّجين والحيوانات منها وركضهم ناحية حفرة الإعدام في مشهد فكاهي هزلي، ليغيّر الراجمون وجهتهم من حفرة الإعدام إلى فريق السيرك الذي يتأخر إلى الوراء معتذراً محاولاً فهم اللبس. هذا المشهد منح الرواية أبعاداً إضافية ونقلها من رتابة الموت وإجراءاته إلى أمكنة أخرى بديلة ذات دلالة.
صاحبجام، كاتب الرواية، صحافي في المقام الأول، لذلك حتى عندما يكتب الرواية، فإنه يفعل ذلك بروح المحقّق الصحافي. وما يُحسب له هو أنه قد بقي وفيّاً لمنهجه الذي يقوم على البحث عن الحقيقة وتصوير ما وقع من أحداث بأكبر قدر ممكن من الأمانة.
دفعته هذه القيم إلى أن يخاطر بحياته ويدخل إلى إيران متنكّراً ـ بعد سنوات طويلة من المنفى ـ ليوصل صوت مانوتجهري إلى العالم. وقد وُفّق في ذلك، باعتبار أن الرواية قد تُرجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة وبيعت منها ملايين النسخ، كما تمّ تحويلها إلى شريط سينمائي شاهده ملايين المتفرّجين. وبالطبع لا يخفى أن موضوع الرواية يعزف على وتر يعجب القارئ الغربي.شرع سليمان في ترجمة هذه الرواية قبل عشرين عاماً، أي قبل أن يتم تحويلها إلى شريط سينمائي وقبل أن تصبح من الكتب الأكثر مبيعاً، بعد أن نبّهه إليها أحد أصدقائه.
يقول مترجم "إيروس" لبارغاس يوسّا: "كنت مقتنعاً بأهمية العمل وبخطورة القضية التي يطرحها، إلا أنني لم أتمكّن من نشرها في ذلك الوقت لأن كلّ دور النشر التي تواصلت معها لم ترغب في المخاطرة نظراً لحساسية موضوعها وللحسابات السياسية والتوازنات المرتبطة بكل بلد. وهكذا بقيت الرواية حبيسة أدراجي طيلة ما يقارب العقدين، ولم تر النور إلا خلال هذه السنة".