الثقافي

"التالد والطريف": في اللحن باللغة

برزت الحاجة إلى وضع مؤلّفات في علوم اللغة، ومنها البلاغة والبديع، منذ نهايات القرن الثاني الهجري

برزت الحاجة إلى وضع مؤلّفات في علوم اللغة، ومنها البلاغة والبديع، منذ نهايات القرن الثاني الهجري، أي في المرحلة التي أصبحت العربية فيها لغة مركزية يتوجه الطلاب الآتون من أمصار الخلافة الإسلامية إلى دراستها، لتؤمّن لهم مكانة علمية تُسهم في علوّ منزلتهم الاجتماعية والسياسية.

تطوّرت مناهج الدراسات البلاغية وأدواتها بعد نحو قرنين على ذلك، وظهرت عشرات الكتب التي يختصّ كلّ منها بإشكالية أو مسألة بعينها، ومنها "التالد والطريف في فن جناس التصحيف" لمحمد بن علي البساطي الصادر حديثاً عن "معهد المخطوطات العربية" في القاهرة، بتحقيق الباحث أشرف المنسي الإسكندراني.

اعتمد المحقّق على ثلاث نسخ؛ الأولى موجودة في "المكتبة المركزية للمخطوطات" التابعة لوزارة الأوقاف المصرية والتي تعود ملكيتها إلى شرف الدين بن شيخ الإسلام الذي عاش في القرن الحادي عشر الهجري، لتكون هذه هي النسخة الأصلية التي جرت مقارنتها مع نسخة ثانية في "دار الكتب المصرية"، وثالثة متوفرة في "مكتبة تشستربيتي" في إيرلندا.تقف المخطوطة عند ظاهرة التصحيف التي تشير إلى الالتباس في نقط الحروف المتشابهة في الشكل كالباء والتاء، وعدم تفريق بعضها عن بعض، ما سبّب شيوع اللحن في اللغة، ملقيةً الضوء على خطورتها وكيف وُلد نوع من الجناس من رحمها، لهذا يُنسب إليها وهو جناس التصحيف.

يفتتح البساطي كتابه بتتبّع ما قاله القدماء حول هذه الظاهرة، مستشهداً بأبيات للعديد من الشعراء توضّح ما أسماه "الجناس المحرّف" مثل الأسعد بن ممّاتي والصفدي والحافظ بن زيد الدين والمهلبي، مورداً العديد من الحوادث والطرائف التي توضّح وجهة نظره، وهو أسلوب يغلب على العديد من المؤلّفات المشابهة في هذا المضمار، والتي كان أصحابها يسعون إلى إيصال أفكارهم بأسلوب سردي يميل إلى الإمتاع وعدم الاكتفاء بالشرح والتنظير.

أما الباب الثالث فيجمع ما جاء من فن التصحيف من لطيف أشعار الشعراء وظريف كلام العلماء، ثمّ يُضمّن الخاتمة ما وقع من لطاف النوادر، من الظرفاء الأكابر من التصحيف الظريف.

 

من نفس القسم الثقافي