الثقافي

"هيمنة ناعمة": صعود القوّة المصرية وانحدارها

يعرّف ناي المفهوم بأنه توظيف الثقافة والقيم لتغيير الأوضاع

عندما اصطحب الرئيس المصري الحالي مجموعةً من الفنانين والإعلاميين، في زيارته إلى ألمانيا في يونيو/ حزيران الماضي، أثار الأمر سخريةً وانتقادات لاذعةً على مواقع التواصل الاجتماعي.كانت صور الفنّانين والإعلاميين، وهم يحملون أعلام مصر وصور عبد الفتّاح السيسي، كفيلةً بإعادة النقاش حول مفهوم "القوة الناعمة"، الذي بدا أن مصر تعيش لحظةً مربكة في محاولة استعادته وإعادة توظيفه.

في كتابه "هيمنة ناعمة.. صعود وتراجع القوة الناعمة المصرية"، الصادر حديثاً عن "دار العين المصرية"، يحفر الباحث في العلاقات الدولية أحمد محمود أبو زيد في هذا المفهوم، مقدّماً قراءات نظرية فيه، قبل أن يعمد إلى إبراز تجلياته عالمياً، وتتبّع خطّ تصاعده وتراجعه في مصر، منذ ثورة 1952.

يُشير أبو زيد، في مقدّمة الكتاب، إلى أن الاهتمام بمفهوم "القوّة الناعمة" لم يبدأ إلاّ قبل عقدين ونصف، على يدي الأميركي جوزيف ناي، الذي يعرّفه بأنه "استخدام وتوظيف قوّة الثقافة والقيم الأخلاقية والسياسية لتغيير الأوضاع السائدة في مجتمع ما". إنه نفسه تعريف الحرب لدى الليبراليين، في مقابل تعريفها لدى الواقعيين بأنها "استخدام القوّة العسكرية لإرغام العدو على تنفيذ رغباتنا واتباع إرادتنا".

يعتقد الباحث أن المنطقة العربية هي من أكثر مناطق العالم التي تشهد اختلالًا بنيوياً في ممارسة القوّة الناعمة. فمن ناحية، تخضع إلى تجريب هذا المفهوم أميركياً، "فهو مثل جميع النظريات السياسية الغربية يدور تجريبه، وجوداً وعدماً، مع دوران المصالح الوطنية الأميركية"، ومن ناحية أخرى، يكاد يكون المفهوم حاضراً بقوّة لدى جميع الدول التي تسعى إلى ممارسة دور في المنطقة؛ مثل بعض الدول الأوروبية والصين واليابان وتركيا وإيران.

يتضمّن الكتاب ثمانية فصول تبحث كلّها في هذا المفهوم وتطبيقاته في أميركا ودول أوربية ودول الخليج العربية. قبل أن ينتقل، ابتداءً من الفصل الخامس، إلى النموذج المصري، محاولاً إبراز مصادر وأشكال القوّة الناعمة لمصر، وكيف جرى استغلال وتوظيف هذه القوة في تحقيق مصالحها الوطنية والقومية، ومعرفة ماهية العوامل والمسببّات التي أدّت إلى تراجع تلك القوّة على المستوى العربي والإقليمي، وتداعيات ذلك على مستقبل مصر والمنطقة، والسبيل إلى تجديد هذه القوّة.

يعتقد أبو زيد أن مصر كانت صاحبة القوّة الناعمة المهيمنة على المستوى الإقليمي لمدة تزيد عن ثلاثة عقود قبل قيام ثورة 23 يوليو، كما هي بعدها أيضاً بثلاثة عقود. فالثقافة والأفكار والقيم المصرية الخارجية وممارساتها الديبلوماسية ظلّت تمثّل مصدراً للإلهام والجذب لجميع دول المنطقة العربي، وأسهم المفكّرون والمثقّفون والفنّانون والإعلاميون والدبلوماسيون ورجال الدين المسلمون والمسيحيون، مع المؤسّسات، في تشكيل الوعي الجمعي للشعوب العربية، وفق تعبيره.

يخصّص الكتاب حيّزاً هامّاً للحديث عن "النموذج المصري" بعد ثورة يونيو 1952 وبداية "العصر الجمهوري"؛ راصداً سيطرة "الدولة وتنظيماتها على الأنشطة الثقافية والفكرية السينمائية الخارجية".

 

من نفس القسم الثقافي