الثقافي
حكايات النساء في بلاد الشام
يحوي مائة حكاية شعبية من لبنان جمعتها خوري على مدى 30 عاماً من أفواه رواتها الأصليين
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 23 نوفمبر 2018
عام 1978 أسّست نجلا جريصاتي خوري، مع جمع من الفنانين والمربّيات في بيروت، فرقة "صندوق الفرجة" للمسرح والدمى. وفي رحلة البحث عن نصّ مسرحيّ قيّم وممتع للطفل، اكتشفت خوري أنّ التراث الشفوي الشعبي هو الكنز المفقود والمنشود، فبدأت التنقيب عن الحكايات الشعبية. وها هي اليوم تُصدر نخبة منها في كتاب من جزأين صدر عن "دار الآداب" (2014).
"حكايات وحكايات" كتاب يحوي مائة حكاية شعبية من لبنان، جمعتها خوري على مدى 30 عاماً من أفواه رواتها الأصليين، الذين نقلوها بدورهم عن آبائهم وأجدادهم.
لا تُخفي الكاتبة شغفها الشخصيّ بالحكايات الشعبية، وتوضح، في مقدّمة قيّمة تستهلّ الحكايات، أنّ الهدف الأوّل من جمعها وكتابتها هو المتعة والمؤانسة لها أولاً وللقارئ ثانياً. ولكنّ من يعرف سيرة هذه الكاتبة والمسرحية والمربّية المتميّزة يدرك أنّ الأمر ليس لمتعةٍ شخصية فقط، بل نابع من حسّها المسؤول تجاه المجتمع، وأطفاله بشكل خاص، ومن تقديرها للتراث الشفوي الشعبي وقيمته الفنّية العالية.
وتعرض خوري للظروف الثقافية التي واكبت مشروعها، من النقلة النوعية في مخاطبة الطفل ككيان مستقلّ وتقديم أدب خاصّ به ("دار الفتى العربي" نموذجاً)، إلى "ارتفاع مستوى الوعي بالأدب الشعبي الشفوي واعتباره مصدراً أساسياً للحكمة والأدب والمسرح"...
في أثناء جمعها ما استطاعت الوصول إليه في لبنان من حكايات شعبية تتشابك جذورها اللبنانية والفلسطينية والسورية، عثرت خوري على نسخ مختلفة للحكاية الواحدة، مما أثار فضولها لإقامة دراسات مقارنة بين النسخ المختلفة وفق المناطق الجغرافية والظروف الاجتماعية لكلّ حكاية. كانت تلك متعة شخصية للكاتبة، أُضيفت إليها الرغبة في اختيار النسخة الأنسب للعمل المسرحي، وإغناء الخيارات الدرامية. وفي هذا السياق، كانت تقتطع أحياناً من نسخٍ مختلفة ما يناسب الصياغة المسرحية من دون أن يضرّ ببنية الحكاية نفسها.
لم تهدر خوري وقتها في معرفة أيّ من النسخ هي الأصلية، لأنّ هذا "مستحيل" في نظرها، وفضّلت دراسة اختلاف النسخ، وكيف يُغني هذا الاختلاف التراث الحكائي الشعبي، ويُغني الفنون الأخرى أيضاً، وفي طليعتها "المسرح".بعد عقود من العمل والبحث، تصل خوري إلى خلاصة جريئة وهي أنّ هذه الحكايات تناقلتها النساء، وتشكّل المرادف النسائي لملاحم وسير الحكواتيين حيث "الرجل يروي لرجال". وتربط هذه الحكايات بزمن ظهورها الذي تُقدّر أنّه بين القرنين التاسع عشر وبداية العشرين، وتلفت إلى الظروف الاجتماعية لتلك الحقبة، حيث كان البيت فضاءَ المرأة الوحيد، وكانت الحكايات نافذتها الوحيدة على العالم وطريقتها المثلى للتواصل الاجتماعي. فكانت النساء يجتمعن لسرد وسماع الحكايات والتعليق والاستطراد... وكنّ بالتالي يُضفن ويطوّرن الحكاية بتأثير من مفردات حياتهن اليومية، مما يجعل هذه الحكايات انتاجاً نسائياً متميزاً.
باختصار، كتاب يغني مكتبة الطفل ومسرحه وأدبه من خلال حكايات مقدَّمة أيضاً للكبار في أسلوب ممتع وسلس كي يستمرّوا في سردها لصغارهم، ليس فقط "لئلا تضيع"، على طريقة الراحل سلام الراسي، بل لئلا يضيع جزء من هويتنا وفسحة كبيرة من أملنا بالمستقبل.