الثقافي

"جبل الزمرّد".. الحكاية التي أهملها الرواة

مزجت فيها بين الواقعي والأسطوري، على لسان "بستان البحر"، الرَّاوية المنذورة لشيء غامض

فكرة الاشتباك مع حكايات "ألف ليلة وليلة" في عمل روائي ليست جديدة، سواء على مستوى استلهام إحدى هذه الحكايات أو الإضافة إليها. لكن اشتباك الكاتبة المصرية منصورة عز الدين (1976) في روايتها "جبل الزمرد" الصادرة حديثاً عن "دار التنوير" في القاهرة، يبدو مختلفاً منذ البداية، إذ وضعت لنصّها عنواناً فرعياً هو "الحكاية الناقصة من حكايات الليالي" وراحت تحاكي حكاية من حبكتها، اعتبرت أنها لعِلَّةٍ ما طُردت من بين حكايات الليالي، وأغفلها الرواة والمدوّنون وحرّفوها حد التضاد مع أصلها، وهم ينشدون الليالي في أزقة وحانات بغداد والقاهرة ودمشق.عوالم متوازية خلقتها عز الدين في 17 فصلاً، مزجت فيها بين الواقعي والأسطوري، على لسان "بستان البحر"، الرَّاوية المنذورة لشيء غامض، كاهنة الأبيض والأسود، المولودة فوق جبال الديلم، على مقربة من أطلال قلعة "أَلموت" في إيران.

الحكَّاءة التي حملت عبء ملء ثغرات الحكاية التي ورثتها عن أبيها، الذي كان مقتنعاً بأن ابنته إن استطاعت فكَّ شفرات المخطوطات التي تركها لها فستنتهي تغريبة شعب جبل "قاف" ويعود إلى موطنه الأصلي، كما ستُبعث الأميرة "زمردة"، ابنة الملك "ياقوت"، من رمادها لتحكمه (عبر تنقية حكاية الأميرة من التحريف وإعادتها إلى متن "ألف ليلة") مستفيدةً من حكمة "قاف"، المؤدية إلى فهم الذات ومن ثم فهم العالم.تقفز عز الدين، أو بالأحرى راويتها "بستان البحر"، بين الأزمنة لتعقد مصالحة بين ماضٍ سحيق وحاضر معاش، لتجمع أشلاء الحكاية وتربط بعفوية بين خيوط شخصياتها، فلا يكاد القارئ يفرّق بين الواقعي والأسطوري. وفي هذا السياق، تقصّ حكاية "زمردة" التي خطف أبوها الملك أمها "نورسين" من منطقة "جالسيان" لتعيش معه على الجبل المذكور، فتهرب الأم وتترك ابنتها وهي في سن الخامسة.

ثم تورد الراوية في فصل آخر حكاية "هدير"؛ الفتاة المصرية التي أضاعت وهي في السادسة من عمرها خاتماً يعلوه قطعة من الزمرد كان لوالدتها التي تركتها وسافرت مع زوجها الجديد إلى كندا، لتعيش "هدير" في القاهرة عام 2011 مع جدتها "شيرويت" ذات الخلفية الأرستقراطية.استدعت عز الدين من "ألف ليلة" شخصية "بلوقيا"، لكنها غيّرت دوره الأصلي، ففي "جبل الزمرد" أنجز "بلوقيا"، القادم من الطرف الآخر للعالم، رحلة طويلة إلى "قاف" تعرض خلالها لمخاطر عدة أثناء مروره بجبل "المغناطيس"، فقط لأن هاجساً ألحَّ عليه منذ صباه ليرحل ويتيه. وهناك أيضاً شخصية الرجل الإيراني الأربعيني "كريم خان" الذي قابلته "هدير" أثناء رحلتها إلى المكسيك، واستدركها في حوار ثم دعاها إلى البحث عن "بستان البحر" بعد عودتها إلى القاهرة، لتعمل معها في دراستها عن بطلات "ألف ليلة" في الحكايات الشعبية.

 

من نفس القسم الثقافي