الثقافي
سامي سعد.. حفنة حكايات من سيناء
يعيد الكاتب تشكيل زمن انقضى، بشخوصه واشتباكاته الاجتماعية
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 09 نوفمبر 2018
تبدأ رواية "السراديب" (ميريت، 2015)، وهي الثانية للكاتب المصري سامي سعد، بالحديث حول نسل إسماعيل الشايب، بطل الرواية الأول. تبدأ الأحداث عندما تخروج ابنته الفاطم عن طوعه، وتطلب نصيبها من أرض العائلة، فيرفض. تستنجد الفاطم لاحقاً بزوجة الحاكم الإنجليزي الذي لا يتوانى عن مساعدتها في نيل ما طلبت. تتجاوز الفاطم ذلك كله بإجبار عائلتها على الزواج من رجل غريب.
تتصاعد وتيرة الاشتباك الاجتماعي في أحداث يختلف مسرحها بحسب شخوص الرواة. تصل الرواية، عبر تشعباتها المستمرة، إلى هموم الحياة الاجتماعية الأولى، ثم إلى خطاب الشكوى الجمعي ضد الحكومة في وعودها الكاذبة، وانهيار الأحلام بعد حرب أكتوبر وأبطالها، وصولاً إلى الطريقة المتوقعة التي سارت الحياة بها بعد ذلك.في غرضها الأساس، تبدو الرواية للوهلة الأولى رواية تاريخية، يأخذ أبطالها أدواراً وأنساقاً تليق بمن يريد أن يستعيد ويعيد تشكيل زمن انقضى كلياً، بشخوصه ومشاهده واشتباكاته الاجتماعية، لكن سرعان ما نكتشف بأن جسراً صامداً لا زال يمد بنفسه من هناك إلى هنا، ما ينزع عنها تلك الصفة، لا تقليلاً بصنعتها بقدر ما هو تأصيل لجهد أراد كاتبها أن يكشف من خلاله جمالية غائبة عن الذهن اليوم.
يختار سامي سعد، باطمئنان لافت، تقصّي الشؤون اليومية البسيطة ومآلاتها، تقصّياً من شأنه أن يفرد أمامنا كومة من الحكايات حول الذين مرّوا بالمكان وكيف جعلوا منه مسرحاً لحكايات كاشفة كثيرة، عن الاستعمار والأرض والبحر وأحاديث الليالي حول كوانين النار. حكايات تشير جميعاً بالسبابة إلى مكان حافل بالحكايا والأحداث؛ سيناء.
الرواية لا تسعى لكتابة التاريخ أو إعادة كتابته وتركيبه وفق تقنيات التكثيف وتسليط الضوء وما إلى ذلك، بل من خلال استعراض النزعات الإنسانية لأبطال الرواية وفق زمانها ومكانها المحددين. الزمان، زمان انتقالي، تتبين فيه "المواصي" على وجه الخصوص تحت سيطرة الحاكم الإنجليزي، ثم دخول المنطقة كلها في مراحل الاحتلال وما بعده. والمكان سيناء، كحد فاصل بين البداوة والمَدَانة والتشابك/ التناقض الحاصل بينهما.لا تقتصر صنعة الرواية وبناؤها السردي هنا على استحضار الحكايات وشخوصها فقط، بل تقدّم للقارئ منظومة المفردات السائدة في سياقها التاريخي والاجتماعي. إنه استدعاء لغوي يبدو ضرورياً لعكس المزاج النفسي المتوتر أحياناً على مستويي الحوار والمونولوغ في الرواية كلها: "يذهبون ويأتون، سكان المواصي، لكن عيونهم لا تغيب أبداً عن التحديق في هذا الشاسع الأزرق: البحر. آه يا خالتي، لقد قلت لك من قبل إنه غول كبير، لكن رزق الغلابة في جوفه"؛ والمستكين لما تبعثه الأيام العادية من رخاء في الروح: "الأسمر غاب وجاب كحيلة، صاحب صيت اللي رباها، كان زمان على بالي فرح الحبايب".