الثقافي

ديمقراطية بعد الظهر.. توتاليتارية عند النوم

قصةَ تحوّل روسيا من مرحلة احتضار الاتحاد السوفياتيّ إلى فترة انشطاره وقيام ما أطلق عليه دولة الديكتاتورية ما بعد حداثية

من موقع المعاين والمشارك في آن، يروي مصور ومنتج الأفلام الوثائقيّة البريطاني من أصل روسيّ بيتر بوميرانتسيف، داخل كتابه "لا شيء حقيقيّ وكل شيء ممكن" الصادر مؤخراً عن "الدار العربية للعلوم ناشرون" بترجمة حسّان البستانيّ قصةَ تحوّل روسيا من مرحلة احتضار الإتحاد السوفياتيّ إلى فترة انشطاره وقيام ما أطلق عليه دولة الديكتاتورية ما بعد حداثية، المدارة في الخفاء بسلسلة قنوات تلفزة موجهة بعصا الكرملين.

فعقب انتهاء الحرب الباردة استبدلت أدوات الحرب بأخرى أكثر وداعةً، ممثلةً بإرساليات مبشري الرأسماليّة الديمقراطية التي ظهرت في روسيا بأعداد كبيرة منطلقةً من أميركا وأوروبا لـ "تعليم" العالم الذي فرض عليه الشيوعيون الحبسَ لعقود،ٍ الحضارة والتمدن، حيث في الأسفل وتحت أعين سلطات الأمن تتحرك مجموعات أثرياء وخبراء، مندوبون وتجار حروب، وأكاديميات تعليم الفتيات الروسيات مرافقة أثريات روسيا والعالم، وهن يتدربن وفق أسس علميّة وبشتى الوسائل من حفظ أشعار بوشكين إلى دراسة علم النفس للحصول على المال الهدايا.

في الجزء الثاني من الكتاب تنحو القصص إلى الدقة والتوثيق أكثر، إذ يرصد المؤلف الفساد في دوائر السلطات الروسيّة، مثلما فعل بمرافقته ضحايا الدائرة الفدرالية الروسية لمكافحة المخدرات عام 2006 التي عمدت إلى تنفيذ سلسلة تحركات للاستيلاء على الصناعات الكيميائية والصيدلانية، بحيث زجت بأطباء وكيميائيين وصيدلانيين في السجون بتهمة صناعة مواد مخدرة من مواد كانوا يستوردونها من عشرات السنيين لصناعة الأدوية، بهدف احتكار صناعة وتجارة الأدوية.

دولة انتقلت من نظام ديكتاتوري إلى ديكتاتورية ما بعد حداثية، قائمةً على شبكات الإعلام التي يعمل بارمنتسيف في واحدةٍ منها، مع مذيعي نشرات أخبار وأفلام وثائقية، هدفها الرئيس العمل "كبخور يبارك فيه الرئيس بوتين".وللتحول العمرانيّ المحاكي للغرب فسحة في جهد المؤلف، إذ ترافق كاميرا بارمنتسيف المؤرخ الهندسي المدني وصاحب لقب حارسا موسكو القديمة ضد ناطحات السحاب ألكسندر موزاييف ليوثق سيرةَ مبانٍ تروي ذاكرة روسيا بمراحلها القيصرية والسوفياتية وبعد الانهيار الأكبر "كل نظام جديد يعيد بناء الماضي بشكل راديكاليّ؛ لينين وتروتسكي مزقّا ذكرى القياصرة، ومزق خروتشوف ذكرى ستالين، ومزق بريجنيف ذكرى خروتشوف، وانتزعت البيروستوريكا أحشاء القرن الشيوعي برمته، في كل مرة يتحول الأبطال إلى أوغاد، تتغيير أسماء الشوارع، وتشطب الوجوه عن الصور الفوتوغرافية".

 

من نفس القسم الثقافي