الثقافي
"حركة مايو": تورين الآن ومنذ نصف قرن
ولا يزال ملتصقاً بمواضيع أكاديمية مثل واقع العمل، والعلاقة بين الحياة الريفية والحياة المدنية
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 06 نوفمبر 2018
يمثل عالم الاجتماع الفرنسي آلان تورين (1925) اليوم أحد أبرز الأسماء في اختصاصه، بسبب اشتغاله على مراجعة جريئة لأسس هذا المجال المعرفي وتنوّع مشاغله وملامستها لفضاءات متعدّدة، وأيضاً لمشاركته الدائمة في القضايا العامة، ومنها أحداث "مايو 1968".
في ذلك الوقت، كان تورين باحثاً في بدايات مشواره، يتلمّس طريقاً في علم الاجتماع، ولا يزال ملتصقاً بمواضيع أكاديمية مثل واقع العمل، والعلاقة بين الحياة الريفية والحياة المدنية. ورغم أنه لم يعد طالباً، إلا أنه شارك في حراك "مايو 68" من خلال إصدار كتاب بعنوان "حركة مايو أو الشيوعية الطوباوية" وهو العمل الذي أعيد إصداره مؤخراً عن منشورات "سوي" ضمن سلسلة "بوان" في طبعة منقحة، تتضمّن مقدمة جديدة وضعها تورين بنفسه، عمل يأتي في إطار موجة من الإصدارات تعرفها فرنسا هذه الأيام بمناسبة خمسينية "ربيع الطلاب".مسافة نصف قرن أتاحت لعالم الاجتماع الفرنسي أن يقف من جديد على لحظة مفصلية، خصوصاً أن عمله تضمّن قراءات في مستقبلها، ومنها نقده لها واعتبار شعاراتها عودة إلى مرحلة "الطوباوية" في العمل السياسي كما في القرن التاسع عشر (نزعة واجهها ماركس أيضاً).
غير أن تورين وهو يقدّم هذه الرؤية النقدية، كان محقاً في نقاط أخرى حين وجد في أحداث "مايو 68" لحظة أساسية في دخول الثقافي والمعرفي والفني إلى ساحة التأثير السياسي وهو ما صاغه في صورة لافتة، حين اعتبره "هجمة" الثقافة على القرار السياسي مثل هيجان بركان يفرض حراكه الداخلي نفسه على المدن القريبة منه.لكن أهم ما قدّمه الكتاب، وهو نفس المعطى الذي يفرض راهنيته، هو أن تورين اعتبر بوضوح أن "ما يحدث ليس سوى بداية"، مشيراً إلى مسألة سقوط القيمة المعنوية للزعامات (ديغول نموذجاً)، وأن الأشكال الثقافية الكبرى مثل السينما الممولة من الدولة والموسيقى الكلاسيكية والشعر الذي يعتمد اللغة العالية، لم تعد فاعلة في جيل 68 وسيكون ذلك حال الأجيال اللاحقة له.
من جهة أخرى، استمد العمل مقروئيته من بعده السياسي أكثر من قيمته السوسيولوجية، فقد وجد تورين في حركة الطلاب تعبيراً عن "حراك سياسي لم يعرف كيف يجسّده السياسيون في الأطر التقليدية للعمل السياسي".