الثقافي

"مدرسة شيكاغو": رحلة السوسيولوجيا إلى العالم الجديد

يحاول الكاتب تقريب القارئ العربي من الظروف العامة التي ساهمت في بناء اتجاه خاص في علم الاجتماع

في أوروبا، كانت نشأة السوسيولوجيا كعلم مستقل في القرن التاسع عشر مع الرواد الأوائل، خصوصاً الفرنسي إميل دوركهايم (1858-1917)، والألماني ماكس فيبر (1864-1920). لكن هذا العلم الذي سماه الفيلسوف أوغست كونت (1798-1857) في بداياته بـ"الفيزياء الاجتماعية"؛ هو ابن الحراك الاجتماعي، لذلك سيعرف نشأة جديدة على الضفة الأخرى من المحيط الأطلسي.

ستترسخ السوسيولوجيا في الولايات المتحدة الأميركية مع مطلع القرن العشرين كعلم مستقل له أساتذته وشُعبه والتمويل الخاص لأبحاثه، وذلك لأول مرة في التاريخ وفي جامعة شيكاغو بالضبط.في كتابه "مدرسة شيكاغو ونشأة سوسيولوجيا التحضّر والهجرة"، الصادر في طبعته الأولى بداية هذا العام عن "دار أفريقيا الشرق" في الرباط، يحاول الأكاديمي المغربي عبد الرحمن المالكي، في أربعة أقسام ومقدمة، تقريب القارئ العربي والمتخصّص في علم الاجتماع، تحديداً من الظروف العامة التي ساهمت في بناء اتجاه خاص في علم الاجتماع؛ وهو سوسيولوجيا التحضّر والهجرة، الذي وَسَم متن المشتغلين بعلم الاجتماع في "جامعة شيكاغو" الأميركية، والتي أطلقت عليها تسمية "المدرسة" أسوة بمدرسة فرانكفورت الألمانية.

تكمن أصالة هذه "المدرسة" في انبثاقها من أحضان المؤسسة الجامعية الأميركية الفتية آنذاك، ورسمها لموضوع خاص في البحث؛ وعلم الاجتماع الحضري مثال ساطع على ذلك، لأن مختلف مؤرّخي السوسيولوجيا يجمعون على أن الفضل في نشأته يعود إلى "مدرسة شيكاغو". لكن هذا لا يعني - بحسب المؤلف - أنها انفصلت عن أعمال الفكر السوسيولوجي الأوروبي الحضري.

مسألة الانتقال هذه عند صاحب "قواعد المنهج في علم الاجتماع"، ستشكّل بالنسبة لعلماء الاجتماع الذين سيهتمون بالمجتمعَين القروي والحضري الأساس الذي سينطلقون منه لوضع مختلف النظريات الثنائية التي تُسمّى عند بعض العلماء نظرية السمات وعند البعض الآخر نظرية المتصل الريفي-الحضري.

يقول المؤلف: "ومن الأكيد أيضاً أن روّاد مدرسة شيكاغو وبالخصوص لويس ويرث (1897-1952) قد شكلوا امتداداً للاتجاه الوضعي في الدراسات الحضرية. (...) لويس ويرث في دراسته التركيبية المتميزة عن التحضّر كمنط للعيش ينخرط في خط فكري يربطه مباشرة بدوركهايم".لكن الفرق الذي نجده بينهما؛ هو أن دوركهايم كان يبجّل المدينة، بينما يركز ويرث ورفاقه على الوجه البئيس للمدينة، وعلى مختلف الأمراض والانحرافات الاجتماعية التي تجد فيها أرضيتها الخصبة.

 

من نفس القسم الثقافي