الثقافي
بنية التضاد وعار المتفرجين
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 17 أكتوبر 2018
نعني بالتضاد الطباق، أو تلك الثنائيات التي يبني بها الشاعر مشاهده فيشحنها بالحركة التي تستوعب في صلبها مفارقات الحياة، فالنص الذي يتنامى من خلال ما يحمله من تناقضات هو النص القادر على بلوغ مرحلة الأداء الدرامي، وقد أولى نوري الجراح اهتماماً كبيراً بالتضاد في بناء قصيدته فأقامها على ثنائيات مختلفة مثل ثنائية المدينة والريف، وثنائية القراءة والصمت، وثنائية البعد والقرب، وتعبّر جميعها، في سياقات قولها على التقابل "بين طريقين متنافرين متجاذبين في تجربة الشاعر يقسّمان وجوده النفسي والفكري إلى شطرين متباعدين" بتعبير الناقد علوي الهاشمي، وفي هذا السياق يكتب الجراح: "دم على أمنية العابر على خيبة الهارب، على عار المتفرج/ على صمت المفكر يقلب أفكاره ويبلل مقولاته بدم الصبية/ وفي يوم غد آخر يقرأ الجثامين في ضوء الفلسفة".
يظهر التضاد جلياً في هذا الشاهد الشعري وذلك من خلال ثنائية القراءة والصمت، وهي ثنائية تتنزّل في سياق نقد الشاعر للنخبة المثقفة في سورية التي اكتفت بالصمت تجاه ما يحدث من حرب وظلم، فهي نخبة تتشدّق بمقولاتها وأفكارها وتحلل الموت تحليلاً فلسفياً، لكن دون أن تندّد بالظلم أو تتخذ موقفاً عملياً قادراً على أن يساهم في إيقاف الموت، وهو موقف فيه تناقض يعبّر عن مفارقات الحياة الفكرية في سورية والعالم العربي ويوحي بحركة الجدل التي تعتمر الواقع، وقد صاغ الجراح ذلك عبر ثنائية القراءة والصمت، وفي السياق نفسه يقول الشاعر:
"دم من هذا؟ دم من هذا أيها الشاعر؟"، وهو دم في المسافة منظورة عن قرب ومنظورة عن بعد: "دم في نظرة العين وفي حسرة الناظر".إذا كان المشهد السابق يدلّ على مفارقات الحياة الفكرية تجاه الحرب، فإن هذا الشاهد يحيل على مدى اتساع رقعة هذه الحرب ومدى امتداد الدم في المكان وقد عبّر الشاعر السوري عن ذلك من خلال ثنائية القرب والبعد التي تحيل على هذا الامتداد الذي يعكس هول الحرب وكثرة الضحايا.
إن هذه الثنائيات تنتمي مباشرة إلى العالم الداخلي للشاعر، "حيث تختمر التجربة وتتخلق قبل تشكلها الخارجي، فهي تنبثق عن تلك المعاناة الحادة والصراع المحتدم"(ع. الهاشمي) الذي يعيشه الشاعر، وعلى هذا الأساس فإن بنية التضاد في "الأيام السبعة للوقت" تساهم في تعميق درامية القصيدة نظراً لتعبيرها عن الحركة فيها ولترجمتها ما يعتمر في ذات الشاعر من قلق وتوتر، وهو المعين الأول الذي تتخذ منه القصيدة دراميتها.